أحمامة الوادي بشرقي الغضا *** مالي أراك حزينة لا تهجعي

حزني كحزنك لا يزال صبابة *** إن كنت مسعفة الكئيب فارجعي

إذا تقاسمنا الغضا فغصونه *** في راحتيك وجمره في أضلعي

فترنمي وتغنغني وتغزلي *** فوق الغصون وجاوبيني واسجعي

إن كان حزنك من فراق فإنني *** فارقت من أهوى فطيبي واقنعي

يا ليتهم جادوا بطيف في الدجى *** عند الهجوع يعودني في مضجعي

فلعل يطفي بعض نيران الجوى *** لعل يطفي لوعتي وتوجعي

فهو الطبيب إذا أتاني زائرًا *** يا حب ذا من زائر ومولعي

لولا الهوى ما حملوا ريح الصبا *** شوقا إلى أهل النقي والمربع

كم شنف أذاننا الموال المعروف «بلولا الهوى» والذي أبدع فيه طربًا أباطرة الفن، وعلى رأسهم طلال مداح ومحمد عبده، كنا نسمع ونطرب للكلام والأنغام ولأداء الفنان، ولكن ربما أكثرنا لا يعلم لمن هذه الأبيات التي أتيت على ذكر بعضها، وهذا الشاعر هو بديوي بن جبران بن جبر الوقداني العتيبي، ولد في وادي نخب بالحجاز وتوفي عن 53 عامًا، ولقب بسلطان الشعر في الحجاز، ويقال إن طه حسين قال بعد أن قرأ إحدى قصائده بالفصحى لو استمر في كتابة أشعاره بالفصحي لربما أنسانا المتنبئ.

وقال عنه الشاعر السعودي الكبير حسين سرحان إنه شاعر الحكمة ومتنبئ الشعر الشعبي، ويحكى أنه كان يريد أن يتزوج من فتاة من بين جماعته، فلم يوافق أهلها، فخرج إلى وادي نخب وجلس تحت شجرة، وصدفة كانت حمامة على تلك الشجرة وتسجع وتكرر ذلك، فالتفت إليها وقال «أحمامة» كما جاء في المقدمة في قصيدته الرائعة والتي اخترت منها تلك الأبيات فقط، رغم أن كل بيت منها يقول ها أنذا، "هناك مقولة إن القصيدة اقتبست من الشاعر يوسف الذهبي الدمشقي، والبعض ينسب القصيدة إلى الشاعر محمود صفوت الساعاتي، ولكني انسبها للوقداني كما رجح لدي بعد المراجعة".

وهذه الأبيات اعتبرها فاتح شهية لا يُجارى للدخول في فكرة مقالي، بل ربما أكثر من مقال عن الذين جنّوا في الحب، بل وتهستر بعضهم "الله لا يبلانا".

نكتب عن الحروب وعن الاقتصاد والرياضة التي أصبحت في أيامنا لا تختلف عن الحروب الباردة بل أشد ضراوة، ونكتب عن الفنون وعن السلام الذي أمسى وأصبح بعيد المنال، كالغول والعنقاء والخل الوفي، فمعظم العالم سيطرت عليه مجموعات بلطجية، وإن تدثرت بلباس الديمقراطية كي يستر عوراتها الانتهازية والدموية، ومعروف من هم وديارهم، وأقول افتحوا النوافذ على ما يحدث في أوكرانيا بصرف النظر عن المحصلة النهائية، كل يدعي وصل بليلي، وليلى لا تقر لهم بذاكا.. وليلى هنا هي أوكرانيا التي تسوق الدلال وتتخبط في تصريحاتها، ولا أعلم هي تعني ما تقول، أو تسوقه بهبالة إنما المعنى في قلب CIA، وإني أتوقع أن تنتهي كما يقال عندنا في الحوادث المرورية «كل يصلح سيارته»، وهذه الفعالية وأسميها كذلك لأنها في نظري مجرد استعراض عضلات لسانية، ولقد ذكرتني من زاوية أخرى بحرب داحس والغبراء من حيث العناد والمكابرة ونطح الرؤوس، ولا أسمع أحدًا من عيال الفرنجة يعاير العرب وخاصة في الجاهلية بأنهم يسكرون من زبيبة وهواة حرب، فالفرق أن دعاتها هذه الأيام يلبسون أفخر البدل ونوادر الكرافاتات بألوانها الزاهية من أرفع بيوت الأزياء، ولكن القلوب سوداء والأمخاخ لم تتغير.

عموما ما لنا ومال الحرب يا قلبي، خلينا في الشعر والحب الذي ينعش القلب وقد يقتله أحيانًا، كما قال جرير:

إن العيون التي في طرفها حور قتلننا *** ثم لم يحيين قتلانا

يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به *** وهن أضعف خلق الله أركانا

لقد دون التاريخ وإن كان على استحياء ربما لجفاف المصادر، أو تقادم الروايات، وما يحدث من إضافات، تجعل المدونيين يرتابون في بعض المعلومات التي في كثير من الأحيان تخضع لهوى الكاتب، فهو يزيد وينقص إما لجهة القدح أو المدح، أو فقط من باب تجميل القصة.

علي أي حال أنا هنا لا أدون كمؤرخ ولكن كباحث عن مواطن الجمال، سواء في القصة أو الشعر، طبعًا سيكون الحب هو المحور الذي تجتمع عليه كل قصصنا، وطالما نحن نخوض في هذا المضمار الجميل في كل أبعاده فهو حتى في قمة المعاناة ولو كانت مأساوية، يعطينا مخرجات أدبية تلقائية لا أروع منها ولا أجمل، فلا يكون لديك خيار إلا الوقوف باحترام لتأمل هذه اللوحات الشعرية المخملية، وتذوقها بعينيك لتسكر من عذوبة معانيها ودرر كلماتها التي تتناثر كقطرات ندى على أوراق خميلةٍ، أديمها ورد الهدى وفل صبيا ونفل نجد.

قد يسأل مهتم لماذا اخترت كلمة الحب ولم تختر مثلا العشق، وردي أني اخترت الحب لأنه كلمة في قاموس اللغة ليس مذكورًا كدرجة من درجات العشق، وقد يكون هذا غريبًا، فهي الكلمة التي اتفقت عليها أمة العشاق والمحبين ولكن «هيا كدا»، عموما اخترته تقديرًا لهذه الكلمة التي أروت حياتنا وكانت ودودة مطواعة. وحتى لا يغضب علي أي امرئ اعتنق ضرب آخر من ضروب الهوى، كيف كان وأين كان.

هناك 14 درجة للحب، استعرض في هذا المقال بعضها ونكمل في مقال آخر بقية قصص الحب:

1-الهوى، 2-الصبوة، 3-الشغف، 4-الوجد، 5- الكلف، 6-العشق، 7- النجوى، 8- الشوق، 9- الوصب، 10- الاستكانة، 11- الود، 12- الخلة، 13- الغرام، 14-الهيام.

والهوى هو أدنى درجات الحب، يقول أبو تمام:

نقل فؤادك حيث شئت من الهوى *** ما الحب إلا للحبيب الأول

كم منزل في الأرض يألفه الفتى *** وحنينه أبدا لأول منزل

وفي مقال لاحق إن شاء الله نستكمل معاني مفرداته وقصص الهوى وأخواته.