تابعنا مؤخرًا خبر إعلان سمو ولي العهد - حفظه الله - نقل ملكية 4% من أسهم شركة أرامكو، إلى صندوق الاستثمارات العامة، ولاحظت تركيز الكثير من المحللين ووسائل الإعلام، على ما ينتج عن هذه الخطوة من زيادة قيمة صندوق الاستثمارات العامة، وترتيبه بين الصناديق السيادية العالمية، وعلو تصنيفه الائتماني، وبالإضافة لتلك المؤشرات الهامة أرى أيضا، أهمية دلالات تلك الخطوة التي تعكس مدى التزام القيادة الحكيمة بالرؤية، وعزمها على تحويلها إلى واقع من خلال توظيف العائدات النفطية في تنمية قطاعات اقتصادية غير نفطية، وخلق قطاعات أخرى جديدة ومتنوعة، وستوفر تلك القطاعات والاستثمارات عوائد مستقبلية مستدامة، بالإضافة بطبيعة الحال إلى آلاف الفرص الوظيفية، كما هو مخطط له.

ولا يخفى على المتابع للمؤشرات الاقتصادية، أننا وعلى مدى سنوات طويلة حققنا ميزانًا تجاريًا إيجابيًا، بفضل العوائد النفطية بالدرجة الأولى، ولكننا لم ننجح في استغلال ذلك النجاح الموروث، في خلق اقتصاد مستدام بعيدًا عن الاقتصاد النفطي غير المستدام، ولكن التوجه اختلف في السنوات الأخيرة في ظل وجود رؤية، يدعمها ويتابع تطبيقها سمو ولي العهد شخصيًا حفظه الله.

إن صندوق الاستثمارات العامة لا يعمل كأي صندوق استثماري خاص، صبره محدود ويبحث عن الربح السريع، إن بناء قطاعات اقتصادية جديدة وإعادة هيكلة أخرى قائمة هو أمرٌ ينطوي عليه مخاطر عالية، بقدر الفرص المنبثقة منه، ولذلك فإن المضي في مثل ذلك الشأن العظيم لا يقوده المال الخاص، بل يتبعه ويمتثل به. وهذا ليس رأيا شخصيا بل هو ما حصل في اقتصادات البلدان القوية، التي نراها اليوم. فبناء قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات في وادي السيليكون في أمريكا، والبحث العلمي للأدوية الراديكالية، وإنجازات الفضاء تمت كلها برؤى وطنية وبقيادة رأس مال عام، وبرامج بحثية حكومية صنعت الطريق لرواد الأعمال لتوظيف التقنيات تجاريا، وأكبر مثال على ذلك هو ما فعلته وكالة مشاريع البحوث الدفاعية المتقدمة «DARPA» التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، والتي قامت بالبحوث الأساسية والتطبيقية ووفرت الممكنات الأساسية لرواد الأعمال، في وادي السيلكون لاستغلال تلك الإنجازات وتطوير التقنيات التي لمسها العالم، خلال العقدين الماضيين.

ومن الأمثلة الأخرى أيضًا المؤسسة الوطنية للعلوم ووكالة ناسا، وغيرها من الجامعات والمراكز العامة في أمريكا وبعض البلدان الأوروبية، وما نراه مؤخرًا من توظيف المال العام الأمريكي في صنع قصة نجاح جديدة، مماثلة لوادي السيليكون، ولكن هذه المرة لمشاريع الطاقة الخضراء، عن طريق وكالة مشاريع بحوث الطاقة التابعة لوزارة الطاقة الأمريكية «ARPA-E».

ولقد بادرت القيادة الرشيدة لتكون في طليعة الدول، الداعمة لهذا القطاع المستقبلي الواعد، وشاهدنا إطلاق البرنامج الوطني للطاقة المتجددة، من قبل وزارة الطاقة وضمن رؤية 2030، ومؤخرا مبادرة السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر، وهدف الحياد الصفري الطموح، الذي يعد مثالا يحتذى به على مستوى العالم، خصوصا عندما ينطلق من دولة متربعة على عرش الوقود الأحفوري في العالم على مدى عقود.

ختاما، أستذكر ما قاله سمو ولي العهد قبل عامين تقريبا، بأن المهم الآن أن نركز على النمو، وليس على عوائد الصندوق على خزينة الدولة على حساب النمو، فالصندوق سيكون هو المحرك الاقتصادي الرئيس في السنوات القادمة.

نحن في مرحلة بناء وتنمية مهمة تحتاج لهمة وتكاتف القطاعين العام والخاص، وشباب وشابات هذا الوطن، من خلال فهمهم وتبنيهم لهذه التوجهات والسلوكيات الريادية، لنكون جميعا مشاركين في رحلة البناء والتنمية الناجحة باذن الله.