تمر حياة الإنسان بمختلف المنعطفات، لكنه يبقى محافظًا على صفته الإنسانية البسيطة. لأننا في الغالب أشخاص عاديون، قد تحدث لنا تنقلات من حال إلى حال، على مستوى دراسي ثم لاحقًا وظيفي. نتبوأ مناصب ثم تزيد دائرة من يعرفنا، فبعد أن كنت معروفا لدى أسرتك وأقاربك وأصدقائك، تتسع الدائرة إلى أن تكون شخصية عامة على مستوى مناطقي. وفي هذه المرحلة تحديدًا يتلاشى عامل القرب الإنساني بينك وبين عامة الناس، ومن يعرفونك لمنصبك فقط، ويبدأ التعامل على أساس مهني بحت، وهذه نقطة تنطلق منها أحكام يتوشحها شيء من القسوة والإقصائية والاتهامات الباطلة والظنون.

البشر يؤثرون ويتأثرون، يمرون بلحظات فرح عارمة ولحظات حزن. وانتكاسات وموجات إحباط.

هم في نهاية الأمر -وإن تناسينا ذلك- بشر مثلنا بعيدًا عن الاعتبارات المهنية والوظيفية التي تربطنا بهم. الحديث هنا يقودنا لأولئك المسؤولين وأصحاب القرارات الذين لا نعرف عنهم سوى حياتهم العملية المتخمة بكثافة الأعمال والإطار الوظيفي. فهم كالجبل الجليدي لا نعرف إلا ظاهره الواضح أمامنا فوق سطح البحر.

فذلك الإطار والأفق الوظيفي الذي يجمعنا بالمديرين والمسؤولين، يجب ألا يحجب عنا رؤية الجوانب الإنسانية الأخرى لصاحب المعالي أو السعادة، فهو كسائر الموظفين يبحث عن ساعات راحة له.

يتألم عند اتخاذ أي قرارات لمصلحة العمل يكون فيها زيادة وتيرة العمل أو إضافة أعباء عملية جديدة، أو تقليص مصروفات وغيرها من قرارات قد يكون مجبرًا عليها.

فطبيعة علاقتنا بالمسؤول، تفرض علينا ولو وهميًا أننا في محل منافسة وخصومة مزمنة معه، مستبعدين كل الجوانب الاجتماعية والنفسية والإنسانية.

وفي أي مناسبة فرح أو حزن لهم، يستغرب البعض الجانب الإنساني والحياة الشخصية لهؤلاء القادة التي حجبها عنا الإطار العملي. فنجد تداول -مثلا- رقصة فرح له في مناسبة تخرج أو زواج أحد أبنائه، أو لحظة انكسار وحزن لوفاة قريب له. ومع ذلك، مخيلتنا لا تستطيع تحمل هذا المشهد طويلا، وسرعان ما تريد منا إعادة للمربع الأول في ذلك الإطار الوظيفي «الشخصية الجامدة».

فهم الجوانب الإنسانية وتقديرها لفئات المجتمع كافة، أمر في غاية الأهمية، يساعدنا -بلا شك- في فهم شخصيات المسؤولين، وفي التعاطي مع أرباب العمل والمديرين بشكل أكبر.

وأيضا يساعدنا بشكل أو بآخر بعدم تأويل القرارات والمتطلبات العملية، فلا يوجد مسؤول (مستقصد) أو متعمد إيذاء أبناء جلده، أو يمارس علينا تعسفًا دون مبرر، بعدما وضعت الحكومة فيه الثقة، وجعلته في هذا المنصب لخدمة المواطنين في مجال عمله.

وهذا نلاحظه في الاجتماعات واللقاءات الودية أو الأيام المفتوحة في العديد من الجهات، حينها يظهرالوجه الآخر لمعاليه الذي قد يتسرب لذهنك بعشوائية أنه شخصية متسلطة وظالمة بسبب قرارات اتخذها، بينما الواقع يقول إن عقلنا لم يستطع الفصل بين الشخصيتين العملية والإنسانية. فنذكر أنفسنا أن كل مسؤول إنسان له مشاعر وخصوصية يجب أن تقدر وتحترم.

يبقى السؤال.. ماذا لو كنت مكانه؟