نعيش في عالم تتطور فيه التكنولوجيا والعلوم، وتتوافر فيه التسهيلات المعيشية، ويدبر فيه الإنسان الأمور بلمسة يده على شاشة الهواتف الذكية، ويعلم منها المعلومات والأخبار من أنحاء العالم لحظة بلحظة.

وعيون الإنسان الآن غرست في شاشة الكمبيوتر واللابتوب والجوال، ولديه كل ما يتمتع به من التسهيلات، فمثلا لديه بيت جميل ليذهب إليه ويستريح فيه، ولديه سيارات فاخرة، وامرأة حسناء ليسكن إليها، وأولاد لتقر بهم عينه.

لكن للأسف، على الرغم من كثرة النعم في هذا العصر الحديث، فإن الإنسان لا يستطيع أن يشعر بالسعادة، بل حتى لا يتمكن من أن يشم رائحتها.

يركض دائما وراء السعادة، ظنا أنها غابت عن حياته، ولا يتوقع شروقها بعد. في الحقيقة! إن السعادة محيطة به في كل حين، لكنه لا يشعر بها، لأنه لا ينظر إلى ما أنعم الله به عليه منذ نعومة أظفاره إلى يومه هذا، ولا ينظر إلى ما يحدث حوله ولا يفكر به.

لو نظر الإنسان إلى ما يحدث في مجتمعه لما شكى أنه لا يشعر بالراحة والسعادة، لأن في المجتمع أناس يعيشون في ظروف مختلفة، ومنهم من هو تحت خط الفقر، ومنهم من هو فوق خطه، وفيهم من يعمل ليل نهار تحت حر لا يطاق، لسد جوعه وجوع أسرته، وليس لديه أي هاتف ذكي ولا سيارة ولا بيت فاخر، وليس عنده شيء ليدخره لغده.

على الرغم من ذلك، ربما يكون في راحة بال وسعادة، وربما تكون حياته الزوجية سعيدة، وهو يسكن إلى امرأته عندما يحيط به الهم والقلق، فيجد عندها سكينة تريح قلبه، كما قال الله عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (سورة الروم 21).

ومن المشاهد المضحكة المبكية أن بعض الناس، بل جلهم، يسيحون في الأرض يبحثون عن السعادة، وهي أقرب إليهم من حبل الوريد، أو هو يسبح في بركة السعادة، ولكنه يرى بركة أخرى قربه وينظر إليها، فيظن أن فيها سعادة حقيقية، ولكنه لا يعلم أن هناك أناسا يحلمون بأن يعيشوا كما يعيش هو. ومما لا بد من ذكره أن للقناعة أهمية كبيرة في حياة الإنسان، ولها يد طولى في إيجاد السعادة طيلة الحياة.

القناعة -كما قال الحكماء- كنز لا يفنى، وبعبارة أخرى إنها منبع السعادة ومصدر البهجة، وبذلك يمكننا أن نقول إن من سيجدون السعادة في الحياة هم أصحاب القناعة والرضا، وفي ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انْظُرُوا إِلَى مَنْ هو أَسفَل مِنْكُمْ وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوقَكُم؛ فهُوَ أَجْدَرُ أَن لا تَزْدَرُوا نعمةَ اللَّه عَلَيْكُمْ (متفقٌ عَلَيْهِ).

على أي حال، إن السعادة تنظر إلى الإنسان، وتبكي على جهالته، لأنه لا يشعر بها وهي أقرب إليه من حبل الوريد، ومحيطة به في كل حين.

لكن سوء حظ الإنسان أنه يقضي معظم حياته في البحث عن السعادة، وينسى القناعة، وأخيرا يموت على الندامة. كيف يجد الإنسان السعادة دون القناعة، وهما وجهان لعملة واحدة، ولا يمكن الشعور بإحداهما دون الأخرى.