يُطلق الاقتصاديون على القرن الحالي «القرن الحيوي» بسبب الازدهار الكبير لتطبيقات التكنولوجيا الحيوية عالميا، وقدرتها على تعديل كفة الاقتصاد بشكل يعادل النفط في بدايات عصره. زيادة نسب الأمراض المزمنة والسرطان والأمراض المعدية عالميا، زادت من الطلب العالمي على المنتجات الطبية الحيوية، بدءا من اللقاحات إلى الأدوية الحيوية، وصولا إلى العلاج الجيني.

لنبدأ المقال بتعريف مبسط لـ«الدواء الحيوي»، فهو أي دواء يتم تصنيعه من مصادر حيَّة مثل الميكروبات على عكس الدواء التقليدي الذي يتم تصنيعه من عناصر كيميائية. تدفع شركات الأدوية سنويا مبالغ ضخمة، لابتكار وتسجيل أدوية حيوية جديدة، وتتراوح تكلفة البحث والتطوير ما بين 100 و200 مليون دولار أمريكي للدواء الواحد، ويستغرق فترة تمتد من 8 إلى 10 سنوات. هذه التكلفة المرهقة تحتاج إلى نظام يحمي حقوق الابتكار وحصريّة التصنيع لفترة زمنية محددة، لكي تتمكن الشركة من استعادة نفقاتها.

بعد انتهاء هذه الفترة، التي تصل إلى 20 عاما في أمريكا، يحق للشركات الأخرى صناعة أدوية مماثلة للدواء الأصلي/المرجعي باستخدام التقنية الحيوية الخاصة بها، وهذه النسخ الدوائية تسمى «المماثلات الحيوية»، ولا يملك أحد احتكارها.

وتكمن أهمية الصناعة الدوائية الحيوية في 3 نقاط مهمة:

1- الأمن الدوائي: تخيّل ماذا يمكن أن يحدث لو انقطع الأنسولين عن الأسواق؟.

2- تقليل التكلفة: صناعة «المماثلات الحيوية» أقل كلفة بكثير من صناعة الدواء الأصلي/المرجعي، وذلك بسبب انخفاض تكلفة البحث والتطوير. كذلك يتم تسعيرها بسعر أقل من الدواء الأصلي/ المرجعي (20-30%).

3- الدخل الاقتصادي الكبير: بلغ حجم سوق الصناعات الدوائية الحيوية في العالم 330 بليون دولار أمريكي في 2021، ويتوقع أن يقفز هذا الرقم إلى 478 بليون دولار في 2026، بمعدل نمو سنوي مركب 7.65% (ريسيرش أند ماركت 2021). هذه الأرقام ذات الأصفار الطويلة أسالت لعاب الكثير من الدول النامية، لاختراق هذا السوق مبكرا، وحجز أكبر قطعة ممكنة من الكعكة قبل أن يستيقظ الجميع.

سنستعرض بعض الأرقام بسرعة: - حاليا تسيطر على السوق 5 شركات: أمجين، وآبفي، وبريستول - مايرز سكويب، وإيلي ليلي، ونوفو نورديسك (موردور إنتيليجنس 2021).

- في إيرلندا قدر العائد من ضرائب هذا القطاع 15 بليون يورو في 2021، مما مكنها من الصمود أمام انهيار «كورونا» الاقتصادي.

وفي العام التالي خصصت إيرلندا 30 مليون يورو من الميزانية العامة، لدعم هذا القطاع الذي يبيض ذهبا. - في ألمانيا بلغت عائدات هذا القطاع 14 مليون يورو في 2019. المدهش أن الألمان استطاعوا حجز حصة كبيرة، تصل إلى 60%، من سوق «المماثلات الحيوية» منذ بدايته.

- في الصين من الصعب أن تفلت الكعكة من أنياب التنين، حيث حقق القطاع بها عائدات تقدر بـ175 بليون دولار أمريكي في 2022.

- الهند هي رفيقة الصين في مشوار الصناعات الحيوية، حيث بلغ عائدات قطاع التكنولوجيا الحيوية بها 70.2 بليون دولار أمريكي في 2020، بمعدل نمو 12% عن العام الذي سبقه!.

اللافت للانتباه هو العدد الضخم من الترسانة الحيوية الهندية، حيث يبلغ عدد الشركات الناشئة في القطاع أكثر من 4237 شركة!، وتطمح إلى الوصول إلى 10 آلاف شركة في 2025.

هذا يوضح ما تخطط له الهند من الاستحواذ على قطاع التقنية الحيوية على الأقل على مستوى منطقة دول آسيا والمحيط الهادي (آسيا - باسيفيك).

ما زالت الكعكة تتمدد في كل الاتجاهات، وفي العام القادم ستنتهي حقوق ابتكار 20 دواءً حيويا من أدوية السرطان، ومن المؤكد أن الصين والهند تحديدا تجهزان القوالب الآن، لتعبئة مماثلاتها الحيوية.