يدهشني كيف يتحدث البعض عن (فتنة) النساء وخطورتها البالغة على الرجل الذي يتم تصويره ضمن هذه الفكرة خيريا بالفطرة لكنه ضحية المرأة هذه المصيدة الأزلية!

ناقشت الدكتورة فتنت مسيكة بر هذه المسألة فطرحت- في كتابها «حواء والخطيئة في التوراة والإنجيل والقرآن الكريم»- سؤالا جوهريا هو: كيف تم ربط المرأة عبر التاريخ بفكرة الفتنة والمعصية؟

وحيث إن موضوع الكتاب هو دراسة مقارنة، فلا بد من المرور على تاريخ المرأة في الحضارات القديمة كالصينية والهندية والفارسية واليونانية وغيرها، ثم الوصول لمرحلة الأديان السماوية.

وللأسف فقد عانت المرأة في جميع الحضارات بلا استثناء، ولكن المعاناة اتخذت شكلا آخر بعد أن عرفت البشرية لأول مرة قصة خروج آدم وحواء من الجنة، فتلك الخطيئة البشرية الأولى لم تكن عابرة في الأديان القديمة، لكن اللافت في الأمر أن القصة رويت في التوراة والإنجيل بشكل مختلف تماما عن القرآن الكريم.

تذكر التوراة أن حواء كانت سببا في غواية آدم وحثه على الأكل من شجرة (المعرفة)، فكان الشيطان يأتيها في صورة الحية ويحدثها، وقد استجابت له وزينت المعصية لآدم فاستحقت بذلك أن يعاقبها الرب عقوبة أبدية بقهرها وخفضها وابتلائها بآلام الجسد والعاطفة، فكل أنثى حسب هذه الرواية ترث العقوبة وتولد وهي تحمل وزر المعصية الأولى ولا تنال الخلاص إلا بأن تمضي حياتها في عبادة الرب وطاعة الزوج.

ونرى أثر هذه الرواية في المجتمعات اليهودية الأكثر تشددا والتزاما بالتعاليم، إنهم ينطلقون من فكرة مقدسة لديهم مفادها أن حواء جلبت الموت والآلام للعالم وحرمت البشرية من الخلود.

كما أنها سهلة الانقياد للخطايا وأن فتنتها هي حبل الشيطان إلى الرجل الذي جعله الرب يسود عليها بنص التوراة، ومن هنا وجب عليهم تنفيذا لمشيئة الرب أن يفرضوا عليها وصاية مشددة في ملبسها وسلوكها وطقوس طهارتها لضمان أن تسد عليها كافة طرق الغواية.

ونفهم بالطبع أن هذه القيود هي ترجمة للنص التوراتي. أما في المسيحية فقد تمت معالجة الخطيئة بالفداء على الصليب فكل طفل يتم تعميده يكون مخلصا حسب المعتقد المسيحي.

ولكن الذي لا يفهمه البعض هو كيفية انتقال فكرة خطيئة المرأة وغوايتها للمسلمين، حيث إن القرآن الكريم قد أورد قصة الخروج من الجنة بشكل مختلف تماما.

فيقول الله، عز وجل، في سورة طه «وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىَ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً» إلى قوله، عز وجل، «وَعَصَىَ آدَمُ رَبّهُ فَغَوَىَ... الآية».

إذا لقد برأ القرآن أمنا حواء من الذنب كما يذكر القرآن بوضوح أن الله عفا عن آدم وحواء وتاب عليهما فلا ترث ذريتهما الخطيئة «ولا تزر وازرة وزر أخرى»، بل إن جوهر الإسلام ومادة الجذب إليه هو المغفرة الإلهية التي لا وساطة فيها بين العبد وربه، نحن الخطاؤون التوابون، بهذا المستوى من القبول يتعامل النص القرآني مع البشر ذكورا وإناثا.

فكيف ومتى أصبحت فتنة النساء عنوانا عريضا لدى المسلمين؟

الجواب والرواية لا تزال على عهدة الكاتبة أن هذه المخالفة الصريحة لروح العدالة والمساواة القرآنية، إنما تسربت للفكر الإسلامي عبر رواة الإسرائيليات التي ملئت بها كتب الحديث، وكان من أشهر من حدث عن النساء وهب بن منبه وكعب الأحبار وكانا حاخامين من العارفين بالدين اليهودي قبل اعتناقهما الإسلام. ولم يكن ثمة حرج في الرواية عن بني إسرائيل لدى عدد ممن جمعوا الروايات.

الكتاب رحلة استكشافية ومحاولة استقراء للأسباب الحقيقية وراء تضخيم أمر فتنة النساء، وكيف أصبح المسلمون يرددونها ويدورون في فلكها رغم تعارضها مع ما جاء في القرآن عن حواء الأم التي خضعت للاختبار الإلهي بالمساواة مع آدم.

بل إن القارئ لتاريخ المجتمع المدني في صدر الإسلام، يرى الاختلاف الكبير بين اليهوديات اللواتي كن حبيسات الدور، والمسلمات من نساء المهاجرين والأنصار صاحبات الحضور الاجتماعي والحقوق المدنية والجدل المسموع في السماوات، كن يرتدن المسجد ويعملن في السوق ويشاركن في الحرب، إذا هكذا ترجم المسلمون (العرب) النص القرآني العربي وهكذا فهموه.

لقد حان الوقت لنضع عن كواهلنا الإصر التاريخي الذي حمله علينا الأولون، ونقوم بإصلاح ثقافي واجتماعي في كل ما يتعلق بالنظرة للمرأة.