شهر يسلم شهرًا، لولا شهر يسلم شهرًا لما وصلنا لأجمل شهر؛ «رمضان» هدية الرحمن. روائحه بشائر، بقدومه يمن وبركات.

رمضان الآن وبين زمن فات.. ترى أيهما يحمل نفحات هذا الشهر الكريم.

بداية من انتظاره والاستعداد له وبهجة استقباله دون معرفة يوم قدومه فلكيًا مسبقًا، كما يحدث الآن، كان يوم الرؤية يحمل معه فرحة اللقاء كلقاء حبيب عائد بعد شوق ولهفة الانتظار.

كان يصاحب يوم الرؤية تعليق الزينة والفوانيس الخشب تمتد بين الشرفات بألوانها الزاهية المصنوعة بأيدي أطفال الحي وشبابها، معبرة عن كل معاني الحب والترابط..

أما الآن فقد أصبحت الفوانيس الزينة معدة سلفًا بأشكال وألوان لا علاقة لها بنفحات هذا الشهر الكريم.

ناسي ولا فاكر.. التليفونات ورنينها للمعايدة والتهنئة والفرحة من القلب تسبق الكلمات بقدوم شهر رمضان.. أصبحت باهتة باردة برسالة على واتساب أو ماسنجر واختيار «send all» دون إحساس بفرحة والتقارب مع الطرف الآخر.

ياااااااه.. الدراما وما أدراك ما الدراما الإذاعية منها والتلفزيونية.. اختلفت شكلا وموضوعا ومضمونا بداية من اسم المسلسل وما يحويه.

كانت الدراما الرمضانية هي عبق المسلسلات الدينية والتي تشكل عقلًا ووجدانًا وترسخ قيمًا ومبادئ، بجانب الدراما الاجتماعية التي تبني نفوسًا قادرة على إعمال العقل والفكر والتشيع بالقدوة والمثل.

أما الآن أصبحت الدراما حشوًا فارغًا من أي مضمون أو معنى، سباق هستيري للتواجد، أصبح أبطالها رموزًا للفتونة والبلطجة ليرسموا بما يقدموه مجتمعًا مغايرًا لما تمنيناه وما زلنا نتمناه.

حتى شكل الإعلانات اختلف. فها نحن نجاهر بالحنين إلى الماضي واسترجاع تلك الأيام الخوالي. فاكر ولا ناسي..

عزومات رمضان واللمة الحلوة والضحكة الرايقة ويوم هنا ويوم هناك، ما بين قريب وصاحب وجار. البيوت مفتوحة والموائد تفوح منها روائح ما لذ وطاب، يزيد من حلاوتها وطيب مذاقها إحساس اللمة وبساطة المشاعر.

انتظار مدفع الإفطار تسبقنا وتهفو أرواحنا بالدعوات.

أزيدك من الشعر بيتًا.. موائد الرحمن والتي أصبحت أطباقًا معلبة مغلفة تحمل الطعام، ولكن لا تحمل الألفة والحب والتكافل الحسي..

تشبع بطونًا جائعة، خالية هي من إشباع الترابط والتواجد وتبادل الآراء والأفكار ونظرات الحب والامتنان.

وكأن هذا الزمن جاء ليتحدى الترابط الوجداني الحسي بالتباعد الاجتماعي، والذي أصبح أسلوب حياة.

اخدك معايا لأواخر أيام في الشهر الكريم فاكر ولا ناسي..

أواخر شهر رمضان ونقش الكحك، وتحضير المكسرات والملبن والسمن البلدي وقدحه تفوح من كل البيوت.

والتباهي والتفاخر بين النساء من كحكها أنعم وألذ، والضحكات تتسابق من نقشه أحلى وأتقن من الآخر.

الفرحة أصبحت مغلفة مزينة بأوراق السوليفان والشرائط الملونة. لا

طعم لا روح ولا حياة فيه، فقد اختلف مذاقها عما كانت، فقد كان مذاقها بروح من صنعها.

هل ظلم هذا الجيل مع اختلاف طقوس هذا الشهر الفضيل.. هل أصبح رمضان مميكنًا وتحولت مشاعرنا تجاهه كلغة عصره الحالية.. تحولًا رقميًا؟!