أشارت بعض الصحف ومواقع الإنترنت خلال الأيام الماضية إلى عزم أمانة الرياض- ضمن جهودها المتواصلة لتحسين المشهد الحضري وتطوير البيئة العمرانية- تسريع تنفيذ الدليل التنظيمي الشامل للوحات على واجهات المباني التجارية، والذي أصدرته في يونيو من العام الماضي، كمبادرة جديدة تمثل مرجعاً وإطار عمل متكامل لتنظيم اللوحات وتحديد نسقها تبعاً لضوابط واشتراطات فنية وتصميمية محددة.

وتأتي هذه الخطوة للقضاء على ما نشاهده من فوضى تضرب مجال اللوحات التجارية، بدءا من الأخطاء الإملائية والنحوية الفاضحة التي تثير السخرية وتمثل استفزازا كبيرا للمشاهد الذي يرى بعينه كيف وصل الاستهتار باللغة العربية في أرضها، حيث يتم تأنيث المذكر، وتذكير المؤنث، ناهيك عن الأخطاء الأخرى مثل كتابة كلمات لا علاقة لها باللغة العربية، أو استخدام اللهجات العامية بديلا عن الفصحى.

هذه الأخطاء إضافة إلى كونها تشكل ظاهرة غير حضارية فإنها تحمل في طياتها خطورة كبيرة وهي تسويغ هذه التجاوزات في نظر صغار السن، وإظهارها كأنها الأصل وما سواها خطأ. فالخطأ الكتابي عندما يكون مرتبطاً بتصميم فني جميل يسترعي النظر لا سيما عند تلك الفئة، ويتحول مع مرور الوقت إلى عادة بصرية تحتفظ بها ذاكرتهم، وتستدعي صورتها كلما دعت الضرورة لكتابة تلك الكلمة.

ولا تقتصر السلبيات التي يعج بها هذا المجال على مجرد الأخطاء اللغوية، بل تتعداها إلى استخدام مفردات قد تسيء في كثير من الأحيان إلى الذوق العام، إضافة إلى سوء التصميم والألوان المتنافرة التي تمثل تشوها بصريا يستلزم المعالجة، وسرقة تصاميم العلامات التجارية وتقليدها، إضافة إلى استخدام كمية كبيرة من الإضاءة بصورة عشوائية مما يزيد من الضغط على استهلاك الكهرباء، ويرفع من احتمال اشتعال اللوحات والتسبب في حرائق جسيمة.

أما أكبر عناصر الفوضى فتبدو في الافتقار إلى وسائل السلامة، حيث إن كثيرا من تلك اللوحات، لا سيما ذات الحجم الكبير، تشكل خطورة كبيرة على سلامة المارة وحياتهم لأن تركيبها غالبا ما يتم بصوره عشوائية، دون مراعاة الضوابط الواجبة، ونظرة سريعة لكثير من تلك اللوحات تصيب الإنسان بالهلع حيث يلاحظ عدم ثباتها في أوقات العواصف ومرور الرياح.

وترجع الأسباب في هذه الأخطاء إلى عوامل كثيرة في مقدمتها أن مجال شركات الدعاية والإعلان تكثر فيه العمالة الوافدة التي تمارس جريمة التستر وتعمل لحسابها الخاص، ومعظم الخطاطين الذين يعملون فيها هم من الذين لا تربطهم أي معرفة باللغة العربية ولا يلمون بأبجدياتها ومبادئها، كذلك فإنهم يميلون إلى استخدام أرخص المواد دون الاهتمام بالجودة وجوانب السلامة، وذلك لتحقيق أكبر مقدار من الأرباح.

التفاصيل التي رشحت عن الدليل التنظيمي الذي تنوي أمانة الرياض إلزام أصحاب صانعي اللوحات باتباعه تشير إلى أنه سيكون شاملا لكافة المتطلبات ويلبي التطلعات وتتعامل مع الملاحظات العديدة التي سبق أن أثيرت في أكثر من مناسبة، وفي مقدمتها تطبيق أفضل مقاييس الجودة، وأعلى أدوات الأمن والسلامة، ومراعاة صفات المناطق التاريخية والتراثية ومكونات البيئة العمرانية، وارتفاع اللوحات طبقا لسرعات الطريق، وأبعادها ومساحاتها، واستخدام أنواع إضاءة مستدامة وموفرة للطاقة على أن يتم ضبطها بشدة منخفضة لا تسبب التوهج، إضافة إلى استخدام المواد المقاومة للحريق والعوامل الجوية على أن تكون سهلة الصيانة.

لإنجاح هذه الجهود، فإن هناك نقطة أساسية لا بد من الاهتمام بها وهي ضرورة مراقبة تطبيق إجراءات السعودة في هذا القطاع الذي يبلغ حجم عائداته مليارات الريالات سنويا، والقضاء على كافة أشكال التستر، وذلك عبر حملات متكررة للجهات ذات العلاقة، لأن ضبط أداء هذا القطاع يتطلب بدرجة أساسية تصحيح الأخطاء التي تسببت في تدهور مستوى مخرجاته.

كذلك فإنه بعد انقضاء مهلة الستة أشهر التي ستمنحها الأمانة لأصحاب المحلات التجارية لتصحيح أوضاعها، فإن هذا المجال سوف يشهد ازدهارا كبيرا بكل تأكيد، مما يمكن أن يوفر العديد من الفرص الوظيفية المؤقتة والدائمة للشباب ورواد الأعمال.

ختاما أنبه إلى أنه في ظل المساعي الحثيثة التي تبذل لتحسين جودة الحياة وتعزيز الاقتصاد وتقديم بلادنا للآخرين بصورة لائقة، فإن هذا الملف يبقى في طليعة الاهتمامات، حتى تكون شوارعنا أكثر جمالاً ونظاماً، وما دمنا في أرض العروبة ومهد اللغة فإن مسؤوليتنا التاريخية تتمثل في المحافظة على ما اختصنا به الله تعالى من لسان عربي مبين، وحمايته من هذا العك المتواصل، لا سيما مع استمرار الجهود التي تبذلها الدولة للعناية باللغة العربية، التي تزايدت خلال السنوات الماضية.