امتداداً لجهود السعودية نحو تحقيق رؤية 2030 في تنشيط الاستثمار المتنوع لتحقيق مزيد من النمو الاقتصادي المأمول والازدهار الوطني المتواصل؛ شهدت المملكة منذ أيام قليلة حراكا اقتصاديا تنمويا متميزا في مستواه، ومتنوعا في محتواه بتوجهاته الاستثمارية الواعدة؛ بتغيير نمط الاستثمار وتوجيهه نحو تحقيق أهداف وطنية وإستراتيجية تصب في الصالح الوطني بجميع مقدراته المادية والبشرية،

إذ أطلقت الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة «منشآت» المؤتمر العالمي لريادة الأعمال GEC بالتعاون مع الشبكة العالمية لريادة الأعمال GEN، بعد أن اختارت شبكة ريادة الأعمال العالمية العاصمة «الرياض» لاستضافة المؤتمر، لتحتل المملكة المرتبة الأولى عالميا في مؤشري «توفر الفرص الجيدة لبدء عمل تجاري» و«سهولة البدء في عمل تجاري»، كما تصدرت مؤشري «استجابة رواد الأعمال للجائحة» و«استجابة حكومة المملكة للجائحة»، وذلك من بين 45 دولة، وفق مؤشرات المرصد العالمي لريادة الأعمال.

شهد المؤتمر الذي انطلق تحت شعار «نعيد- نبتكر- نُجدد»، حضور رواد أعمال ومستثمرين وخبراء وصناع قرار من 180 دولة، لمناقشة التحديات الاقتصادية التي تواجه بيئة ريادة الأعمال العالمي، وتبادل الخبرات ذات الصلة، واقتناص الفرص الاستثمارية خلال المرحلة المقبلة، إضافة إلى تعلم الدروس المستفادة من التحديات التي واجهها العالم خلال فترة جائحة كورونا (كوفيد 19)، ويعد المؤتمر العالمي لريادة الأعمال فرصة مثالية لرواد الأعمال والمهتمين والمسؤولين، لفهم أبعاد المرحلة التنموية المقبلة، واستيعاب الدروس التي قدمتها الجائحة العالمية التي طالت بتأثيراتها مختلف دول العالم، للتعرف على أفضل الممارسات في التعامل مع الأزمات، والمحافظة على مرونة النشاطات التجارية واستمراريتها، إضافة إلى تبادل الأفكار الخلاقة بين رواد الأعمال والمبتكرين من أنحاء العالم.

اهتمت الشبكة العالمية باختيار المدن التي تشهد نشاطًا مكثفًا في بيئة ريادة الأعمال، لتكون نموذجاً يستفاد من تجاربها ومنجزاتها على مستوى دول العالم، وأثبتت الرياض تحولاً ملموساً في مستوى دعم المنشآت وكثرة وتنوع البرامج والمشروعات الريادية والاستثمارية التي احتضنتها الدولة بهدف تحقيق تنمية شاملة وازدهار اقتصادي يشمل مواردنا وإمكاناتنا المتاحة، والتي سُخرت لها جهود وميزانيات لسنوات طويلة، أثمرت عن منجزات نفخر بها في جميع الأصعدة الوطنية، وبه استحقت المملكة لأن تكون مركزاً دولياً يستقطب لرعاية مؤتمرات عالمية تخدم مستهدفات التنمية الدولية وتطلعات التنمية المستدامة.

استضاف المؤتمر أكثر من 150 متحدثًا في جلساته، منهم: شركاء عالميون لكبرى الشركات العالمية إلى جانب العديد من المتخصصين في الابتكار وريادة الأعمال مع ورش عمل وأقسام للابتكار، بما يتيح فرصا لصُنّاع السياسات والمسؤولين للاستماع لرواد الأعمال وفهم التحديات التي تواجههم، وبما يسهم في صياغة بيئة ريادية عالمية موحدة أكثر استدامة ومرونة، هذا إلى جانب إتاحة الفرصة لرواد الأعمال للالتقاء مع نظرائهم من أنحاء العالم والاستفادة من تجاربهم، والاستماع لأهم الخبراء العالميين في هذا المجال.

أظهرت البنوك الوطنية تفاعلاً ملحوظاً مع مستهدفات المؤتمر وفعالياته فيما عقدته من اتفاقيات تعاون مع «منشآت» المعنية بإدارة وتوجيه ودعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وفيما استهدفته من إطلاق برامج داعمة ومنتجات تمويلية مبتكرة، شكلت في مجموعها نحو 7.3 مليارات ريال للخمسة أعوام المقبلة، كما أطلقت «منشآت» الميزانية المعتمدة لتمويل قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، والتي بلغت 12 مليار ريال (3.2 مليارات دولار) بهدف الدفع نحو تعزيز برامج ومشروعات ريادة الأعمال للاستثمار في تطوير مشروعاتنا الوطنية وبرامج ريادة الأعمال المستهدفة، لتيسير مزاولة الأعمال والابتكار في منتجاتها وبرامجها بما يناسب حاجة السوق وتطلعاته الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.

شهد المؤتمر عقد اتفاقيات وإطلاقات لاستثمارات ضخمة بقيمة إجمالية بلغت 28.9 مليار ريال (7.71 مليارات دولار) بهدف دعم ريادة الأعمال في مختلف المجالات، وتعزيز مكانة السعودية كبيئة جاذبة للرواد والمبتكرين والمبدعين من مختلف أنحاء العالم، ولعل من إحدى أهم الاتفاقيات ما وقعته «منشآت» مع «شركة أمازون» في مذكرة تفاهم حول تمكين الشركات المحلية من بيع منتجاتها لملايين العملاء في جميع أنحاء العالم على متجر «أمازون السعودية»، والذي بموجبه ستقوم «أمازون» بدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بالقدرات اللوجستية والأدوات والبرامج التي تقدمها «أمازون» للبائعين.

في ضوء المنجزات الوطنية التي شملت جميع مجالات التنمية وقطاعاتها، وفي ظل ذلك الاهتمام باستثمار ما لدينا من طاقات وموارد متنوعة وبما نستهدفه من تعزيز قطاع ريادة الأعمال؛ فإن الأمل معقود على استحواذ كثير من مواطنينا على تلك الفرص الاستثمارية المطروحة، والاستفادة من تلك الاتفاقيات المعقودة مع البنوك الوطنية، وما بين «منشآت» ووزارة الاستثمار، وبين الشركات العالمية التي مُنحت تراخيص للاستثمار في السوق السعودي بما يمتلك من مقدرات واعدة وإمكانات هائلة، بما يسهم في معالجة كثير من التحديات التي تواجه ريادة الأعمال سواء في استمراريتها وتمويلها أو في نوعية منتجاتها وجودة مخرجاتها، وبما يهيئ لبيئة استثمارية ناجحة بما تحتويه من برامج ومبادرات مبتكرة وما تتضمنه من قوانين وتشريعات محفزة، وبما تقدمه من تدريب وتأهيل ومتابعة لرواد الأعمال فيما يحتاجونه من دعم مؤسسي متكامل، يعزز من قيمة أعمالهم ويدفعهم نحو مزيد من التنوع في المبادرات الاستثمارية والبرامج المبتكرة التي تضيف قيمة نوعية لمكونات السوق السعودية وترقى بمخرجاته على المستوى الدولي.