يهتم عالمنا المعاصر بالرياضة بكل أشكالها وألوانها، ويعشق بجنون كل تفاصيلها وزواياها، ومقصودنا بالرياضة هو ما يطلق عليه «Sports» بالإنجليزية من كرة قدم وسلة وطائرة ويد وألعاب قوى وغيرها الكثير الكثير من رياضات، سواءً كانت جماعية أم فردية، وهو عالم حقيقي وليس افتراضياً، له جماهيره في العالم أجمع شاهدة عليه.

شكل عالم الرياضة المعاصر نقلات نوعية متقدمة في كل شيء يتعلق بكل رياضة ولعبة، وذلك التقدم والتطور يتعلق غالباً بالجسد في عناصر تكوينه وكيفية المواءمة بينه وبين أصل كل لعبة. وتحكم كل لعبة قوانين وأخلاقيات في أصل المنافسات كلها.

عالم الرياضة هو العنصر الوحيد في الغالب الذي دائماً ما يوحد الأشياء المتناقضة والمختلفة في عالمنا، ومن تلك الأشياء الإنسان وما تحمله روحه وذاته، الإنسان شيء من الأشياء قال تعالى «وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً»، بل إن هناك مقولة جعلت الإنسان مقياساً لكل شيء، أي أنه هو مقياس الخير والشر والصواب والخطأ، ويتم تحديد ذلك المقياس عن طريق حاجات الإنسان فيما تنحو إليه هذه العبارة ومن يجعلها معياراً، وبغض النظر حول الاتفاق مع تلك العبارة أم عدمه، فإن القول بالاهتمام بالإنسان وتطور وتقدم ذاته وتنزيهه وتطهير روحه من الأدناس والأمراض البشرية، هو مراد كل عاقل ومتفلسف مادي ومرشد روحي سواءً كان دينياً أم غير ذلك.

لذا فإن مفهوم الرياضة ليس مقتصراً على الجسد والعقل، فيما يفضله هذا الإنسان من ألعاب فردية أو جماعية، بل إن مفهوم الرياضة له جانب آخر هو في حقيقته مفهوم روحي يطهر الروح والنفس من كل الأدران والأمراض التي تَعْلق بها فيؤثر فيها جسدياً وعقلياً ونفسياً.

فالروح لها نصيبها من الرياضة كي تصل بالإنسان إلى أسمى درجات الرقي في عزل كل الأمراض التي لا تُرى بالعين المجردة عن الولوج إلى هذه الذات الإنسانية. وهذه الرياضات الروحية المطهرة للنفس الإنسانية لهي الأصل الحقيقي والمقصد الأسمى من خلق هذا الكائن البشري العجيب.

فكلما تطهرت وتزكت النفس ارتقت إلى أسمى المعاني الحقيقية من خلق هذا الوجود الذي نعيشه ونتنفسه في كل وقت وفي كل ظرف.

وتكمن الحاجة الملحة للرياضات الروحية في كون النفس تتقلب في جميع مراحلها الوجودية بين فتور وشرود فكري وذهول نفسي عن القيم التي تحكم أفعال وتصرفات الذات الإنسانية، وتمنعها من الوقوع في الأخلاقيات والسلوكيات التي تدمر أصل ونقاء الروح، التي فطرها خالقها وبارئها على أنها نفس زكية وطاهرة وتحمل في ثناياها فطرة سليمة كما قال مبدعها «فطرة الله التي فطر الناس عليها»، وأكدت ذلك مصادر الشريعة في الثابت من السنة أنه «ما من مولود يولد إلا ويولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه».

إلا أن هذه الدنيا بما تحتويه من صروف وبسبب مكوناتها المادية وإيغال إنسانها المتسارع في عالم مادي، قد نزع كثيراً من محتويات الفطرة السليمة، وأحدثت فيها شروخا واهتزازات عميقة، غيرت مسارات الروح الزكية.

تلك المسارات المتغيرة يلمسها المتأمل في ظواهر عديدة منها الكذب والغش والتزوير وقلب الحقائق وجعل الحق باطلاً والباطل حقاً، وتبني الإنسان الإضرار بالآخرين من دون أن يجف له طرف، بل أورث ذلك الانقلاب المدمر للفطرة الإنسانية أن جعلها تمارس صفات وأخلاقيات سيئة مثل الأنانية والمصالح الشخصية الضيقة، وهي صفات يمكن أن تجعل النفس الإنسانية المتلبسة بتلك الأمراض والصفات غير الأخلاقية، تضحي بكل أحد ما عدا مصلحتها الشخصية الضيقة، وكل ذلك بسبب فقدان النفس الإنسانية للرياضة الروحية.

والرياضة الروحية مصطلح متداول لدى أديان وفلسفات كثيرة، وكل فئة لها تعريف ورؤى وتصورات محددة لماهية هذه الرياضة الروحية، بيد أن ما نرتضيه من تعريف يتفق وحالنا وواقعنا، مستصحبين معه ما نملكه من رؤى مع الشريعة الإسلامية ومقاصدها، هو أنها تهذيب الغرائز وتنفيذها بطريقة منسجمة مع طبيعة النفس الإنسانية وإمكاناتها، وتمكين الإنسان من ممارسة دوره الفاعل في الحياة، من دون انعزال أو انحراف عن المقاصد السامية لسبب وجوده. هذا التهذيب يحتاج إلى مراقبة ذاتية صارمة لكل حركات وسكنات النفس، وعدم الغفلة عنها حتى لا تحيد عن طريق أخلاق الفطرة الطاهرة. ويمكن التمثيل لها بفريضة الصيام، فإن الإنسان عندما يصوم يفرض رقابة على نفسه وروحه، حتى يكتمل هذا الصيام الذي فرض لتزكية وتطهير النفس الإنسانية.

وهذا الامتناع المفروض في رياضة الصوم هو امتناع مادي وروحي، ولا بد من تكامل بعضهما البعض، فالصوم المادي الذي يفتقد إلى الصوم الروحي، صوم فاسد ومنعدم في الحقيقة. وهكذا جاءت مقاصد الشريعة لتؤكد أن الرياضة الروحية هي المقصد الأسمى من فرض الصوم، فقد منعت التباغض والكراهية والحسد، فكل هذه الأعمال القلبية والروحية إذا ما تمكنت من النفس البشرية، فإنها تُبطل أعمالها المادية، ومنها الصوم، فليس لله حاجة في الصوم المتضمن أمراضاً روحية ونفسية وأخلاقيات سيئة ودونية.