يعتبر السيد محمد الأنقوري، قاضي المدينة، أول من حمل لقب «نائب الحرم» في تاريخ مكة المكرمة، وله قصة مشهورة دوّنها الإمام السنجاري عند تناوله أحداث انهيار جدار الكعبة في القرن الـ11 الهجري، إذ ذكر، في الصفحة الـ99 من الجزء الـ4 لكتابه «منائح الكرم في أخبار مكة والبيت وولاة الحرم»، أنه: «لما كان يوم الثلاثاء، التاسع من شهر رجب عام 1040، عند طلوع الشمس، حضر «ناظر العمارة»، أي تعمير جدار الكعبة المشرفة، من قِبل السلطان، وهو السيد محمد أفندي بن محمود أفندي الأنقوري، قاضي المدينة».

ومن أسمائه التي ذكرها الشيخ محمد طاهر الكردي، في صفحة الـ149 من الجزء الـ3 لكتاب «التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم»:‏ «السيد محمد بن السيد محمود الحسين» و«السيد محمد الحسين الأنقوري»، وهو الذي مع وصوله إلى مكة المكرمة لمهمته، قبل 4 قرون، بدأ ذيوع صيت عائلة «نائب الحرم»، إحدى أهم العوائل المكية العريقة، والتي ظلت تتوارث منصب وظيفة إدارة المسجد الحرام سنوات طويلة، وهي وظيفة قديمة تتعلق بالإشراف على الأئمة والمؤذنين وجميع العاملين في الحرم، وعندما تولى جلالة الملك عبدالعزيز الحجاز في 1343 أيد إقامة العائلة على خدمة وإدارة المسجد الحرام، وجعل للمسجد الحرام إدارة خاصة، وجعل رئيسها نائب الحرم، وسميت «مجلس إدارة الحرم».

برز عدد من رجالات هذه العائلة الكريمة مثل السيد حسين بن محمد بن عثمان نائب الحرم، الذي عُين نائبا لرئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في صفر 1345 بعد الخطاب الذي وجهه جلالة الملك عبدالعزيز لعلماء وأعيان مكة المكرمة عشية دخولها في 1344.

كما دونته وثائق دارة الملك عبدالعزيز، وفيها: «..فالرجاء أن تنظروا في الأمر، وتعينوا رجالا من إخوانكم المنتسبين للخير، يمشون في كل سوق ومجمع، يأمرونهم بالصلاة كلما أذن المؤذن، حيث يعزل أهل الدكاكين ويصلون، وإن كان في التعزيل عليهم مشقة، فيرتب لكل سوق حرس يحافظون عليه وقت الصلاة...». وأجاب رئيس قضاة الحجاز: «أنهي إلى جلالتكم أنه وقع الاختيار على حضرات الذوات المذكورة أسماؤهم برفقه، ليقوموا بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورأينا أن يكون رئيس تلك الهيئة الشيخ: عبدالله الشيبي، ونائبه السيد حسين نائب الحرم..».

ومن أبرز رجالات العائلة السيد عبدالوهاب بن أحمد بن عبدالوهاب نائب الحرم، ومن مناصبه تعيين جلالة المؤسس له بمجلس الشورى في 1351، الذي ترأسه نائب الملك على الحجاز، الأمير فيصل آنذاك.

وقد خلف السيد عبدالوهاب من زوجته، السيدة نفيسة بنت محمد بن عثمان نائب الحرم، في 1349 ابنا وحيدا، مات عنه وعمره «12 سنة»، وهو معالي السيد أحمد الذي فقدناه في يوم تحري دخول شهر رمضان المبارك.

جلالة الملك فيصل، وفي تقدير غير مستغرب منه، احتضن الأم والابن، وأحاطهما بعنايته في وسط قصره، وكانت الأم «وزيرة القصر»، والابن ابنا من الأبناء، وابتعثه للخارج للتعلم.

وفي 27/‏6/‏1384، عينه رئيسا «7» لـ«التشريفات الملكية»، التي كانت تسمى «تشريفاتي قصر جلالة الملك»، وتحوّلت منتصف 1389 إلى «المراسم الملكية»، ليكون أول رئيس و«عرَّاب» لها بدعم لا محدود من جلالته، واستمر حتى أعفاه خادم الحرمين الملك فهد من منصبه في 20/‏12/‏1405.

ويشهد عارفوه بأن شخصيته «الفيصلية» تميزت، بما يؤكد تأثير فقده، وصعوبة تعويضه، حيث كان، وكما وصفه الأمير الوفي تركي الفيصل: «سيدا بكل معنى للكلمة.. نسبا وفعلا ومقاما».

اللهم ارحمه، وأعظم أجر حرمه وبنتيه، وذويه ومحبيه، وعوضه الجنة، وعوضنا خيرا.