اهتمت المملكة بتطوير الخدمات الحكومية، والارتقاء بأداء جميع القطاعات؛ لتعد من إحدى الدول المتقدمة على المستوى العالمي في تحقيق منجزات واضحة وملموسة في آلية التعامل الرقمي، ومستوى التعامل الإلكتروني الذي شمل جميع قطاعات الدولة دون استثناء، والذي تطلب إعداد منصات إلكترونية، وتجهيز مواقع متقدمة، وأرشفة ملفات رقمية لكل محتواها المعرفي، ولجميع ما يحتاجه المستفيد من خدمات مختلفة من الجهة ذات العلاقة، لتتم عملية التواصل والاستجابة للخدمات المطلوبة في دقائق محدودة دون الحاجة لمراجعة الجهات المعنية عدة مرات -كما كان سابقا- لإتمام إجراءات المعاملة أو الخدمة المطلوبة.

كان التحول الإلكتروني للقطاعات الحكومية من أحد مستهدفات الدولة نحو تحسين الخدمات الوطنية، وتقديمها بأفضل مستوى من الأداء، وبشكل موثق يضمن المستحقات، ويرصد أداء وتعاملات جميع المستفيدين ومقدمي الخدمة.

وعليه، فقد نجحنا بتميز في تحقيق نقلة نوعية في آلية الأداء الحكومي، الذي انعكس أثره على معظم تعاملاتنا الرسمية في اختزال الوقت المطلوب لإنجاز المعاملات المختلفة لجميع السكان، من المواطنين والمقيمين، بل قاصدي الحج والعمرة والسياحة والزيارة وغيره.

في ظل ذلك التحول الإلكتروني في نظام أداء الخدمات الحكومية، وتيسير إجراءاتها، فإنه من الطبيعي أن ينخفض معدل مراجعات الدوائر الرسمية بشكل كبير، بل الذي يكاد ينعدم في كثير من الجهات بسبب استنادها على المواقع الإلكترونية في تقديم كل الخدمات المعنية بها، وهنا تتبادر التساؤلات البديهية: ما طبيعة الأعمال التي ما زال يقوم بها جميع الموظفين الذين كانوا يتحملون مسؤوليات إدارية تُعنى بالمستفيدين؟ وهل جميع القطاعات الحكومية تقوم بشكل منتظم بتحديث مواقعها وبياناتها المطلوبة؟ وهل يجد المستخدمون تفاعلا دائما وسريعا من العاملين على تلك المواقع؟

أم أن الرد الإلكتروني الُمسندْ لروبوت آلي أصبح هو المسؤول الوحيد عن التفاعل المطلوب؟ وهل يمكن للروبوت استيعاب جميع ما يتم الاستفسار عنه أم أنه يجيب فقط عما تتم تغذيته به من بيانات؟، وبذلك كيف يجد طالب الخدمة الإجابة عن متطلباته التي يعجز الروبوت عن إجابتها؟.

ومن جانب آخر، هل جميع مستخدمي المواقع الإلكترونية أو التطبيقات الرسمية قادرون على التعامل معها بحرفية ومهارة؟

وهل نجحت مكاتب الخدمات الإلكترونية في معالجة ضعف كثير من شرائح المجتمع في التعامل مع ذلك التحول الإلكتروني بما تؤديه من خدمات مدفوعة؟ وهل هناك متابعة لجودة أداء تلك المكاتب وما يطلبونه من أسعار مبالغ فيها أحيانا؟. وعليه، يظل السؤال الأهم: هل تتم فعليا تلبية كل متطلبات المستخدم من خلال تلك المنصات الإلكترونية الرسمية بحيث لا يحتاج لمراجعتهم؟ وهل هناك تقييم مؤسسي خارجي لمستوى رضا المستخدمين عن أداء المواقع الرسمية ومدى تفاعلها؟ وما مستوى تحديثها بياناتها ودرجة تمكنها من تحقيق الأهداف المرجوة منها؟.

ندرك أن هناك أعمالا إلكترونية يتجدد العمل عليها يوميا أو بصفة مستمرة كجزء من طبيعة عمل المؤسسة. كما أن هناك بيانات ومستحدثات مؤسسية تستدعي تحديث بيانات الموقع، ومتطلباته التفاعلية مع المستخدمين بصفة دائمة، ولكن السؤال: هل جميع الموظفين يقومون بتلك المهمة؟. بالطبع لا، فهناك الكثير ممن أصبح وجودهم مجمدا تقريبا أو لا مردود له فعليا، فلماذا لا يُكلف مثل هؤلاء بالتعامل مع الجمهور في تلبية الخدمات المطلوبة التي يعجزون أحيانا عن تنفيذها؟

ولماذا يغلق أو يجمد إمكان خدمة الُمراجع عند زيارته الجهة المعنية بحجة أن هناك خدمات إلكترونية في الموقع؟ ولماذا نفرض على جميع طالبي الخدمة الرجوع للمكاتب المدفوعة على الرغم من أن كثيرا منها خدماتها ضعيفة وقد لا تحقق المطلوب بشكل متكامل؟.

الاستناد على التحول الإلكتروني في التعامل الحكومي لا شك أنه تطوير وإنجاز يستحق التقدير والإشادة، ولكن لذلك التحول متطلباته وضروراته، ليحقق مستوى النجاح المطلوب منه، ويرقى إلى المستوى المأمول منه، فهناك عدد من الإشكالات التي تواجه مستخدمو المنصات الإلكترونية، سواء في استيفاء الموقع كل متطلبات الخدمة أو في بطء تحديث البيانات أو في ضعف التفاعل مع المستخدمين في متطلباتهم أو في عدم وضوح محتوى المنصة وسهولة الوصول إلى ملفاته، وذلك يحدث حتى مع القادرين والمتمكنين من التعامل مع النظام.

عدم اكتمال خدمات المنصات بالشكل المطلوب أو وجود ثغرات في برمجة المحتوى وإعداده يؤديان إلى تعطيل الخدمات التي قد تكون مستعجلة ومهمة، خاصة أنه عند مراجعة الجهات المعنية لا يجد طالب الخدمة ذلك التفاعل المتوقع أو التجاوب المعرفي والإداري في معالجة ما يواجهه من إشكالات!، استنادا إلى أن جميع الخدمات تم تحويلها إلكترونيا!.

تطوير التعاملات الإلكترونية مطلوب، وفيه ارتقاء بالخدمات بما يناسب العصر، وبما يخدم التحول الرقمي الذي نعيشه، ولكن متطلبات الجودة والتميز فيها تستدعي وجود قنوات تواصل داعمة ومستمرة بين القطاعات ومكاتب الخدمات الإلكترونية. كما تتطلب أن يقوم موظفو الجهات الرسمية بأعمالهم التقليدية في خدمة المراجعين عند مراجعتهم دون تسويف أو إحالة للمنصات، لأن في ذلك تجميد لطبيعة أعمالهم، وإشعار بعدم أهمية وجودهم في مناصبهم. كما أن تقييم مستوى أداء المنصات ورصد مستوى رضا الجمهور عنها سيعززان من أهميتها، ويحسنان من جودة عطائها.