مرت دعوات المناسبات والاحتفالات برحلة طويلة، عبرت بها من البساطة إلى التكلف والكلفة، وانتقلت من مفهوم الاكتفاء بدعوة عامة يتقاطر الناس المعنيون لتلبيتها عن طيب خاطر، لتصبح بمثابة العبء مع تحولها إلى مفهوم الدعوة الشخصية الفردية التي غالبا ما يصر المدعوون على تلقيها وإلا فإنهم يقاطعون المناسبة، بل وربما صاحبها الداعي لها أيضا.

ومع هذا التحول باتت الدعوات للمناسبات بمثابة عبء إضافي لا بد من حسابه على رصيد أو ميزانية المناسبة.

التباهي والاستعراض

يرى الأخصائي الاجتماعي محمد بالحارث أن «حضور المناسبات سواء أكان ذلك عبر دعوة عامة أو شخصية من الأمور التي تدفع إلى الوئام والترابط المجتمعي، وعلى الجميع المبادرة إليها، خصوصا حين تتعلق بالأسرة والأقارب، والأصدقاء والزملاء».

وأضاف «لم تكن هناك دعوات في الماضي مثل التي نشهدها حاليا، فقد كان يكتفى في كثير من الأحيان بمن يذيع خبر أن فلانا لديه مناسبة، وأن يذكر موعدها ليتقاطر أقاربه وأصدقاؤه ومحبوه لحضورها، وقد تميزت الدعوات في الماضي باليسر وعدم التكلف ماديا، وكان كثيرون يقطعون مسافات لحضورها ومشاركة صاحبها، لكنها تحولت في الأعوام الأخيرة، وباتت محصورة في بطاقات الدعوات التي خرجت عن هدفها الأساسي في الإبلاغ، لتصبح ميدانا جديدا للتباهي والمغالاة والاستعراض بها في مواقع التواصل الاجتماعي، ولم تعد تقتصر على الورق المقوى ـ الكرتون ـ بل باتت تصنّع من الأخشاب وصفائح الألمونيوم والبلاستيك وغيرها، وكان يمكن لأي إنسان أن يحقق الفرح والسعادة في مناسباته الاجتماعية وفي مقدمتها الزواج دون أن يضع نفسه تحت مقصلة التكاليف الباهظة، والمظاهر الزائفة، ودون أن يقع تحت طائلة تقليد الآخرين والخشية من نظراتهم وأحكامهم وانتقاداتهم، ودون أن يشق على الناس ليحشدهم من كل الأنحاء ولا يعذرهم، وقد ازدحمت جداول حياتهم بأعباء الحياة».

ظاهر مجتمعية

يقول مانع آل قمري وهو رجل خمسيني إن «الدعوات ظاهرة مجتمعية لكنها اختلفت بين الماضي والحاضر، فقديما تميزت بالبساطة وعدم التكلف، واعتبار الحضور أكبر تشريف، وكانت تُلبى مباشرة سواء جاءت عبر الهاتف أو مرسول من قبل أصحاب الحفل، وكانت تكفي دعوة واحدة للجميع ومن حضر يمثل الآخرين من باب من أكرمك بالدعوة فأكرمه بالإجابة».

ويضيف «أما حاليا فقد أصبحت عبئا ماديا وأسريا، وصارت توزع أكثر من دعوة للأسرة الواحدة أو للزملاء في العمل، حيث يحرص كل منهم على تلقي دعوته الشخصية بشكل مستقل، كما أن تلك الدعوات تصبح بمثابة عبء حتى لمن أرسلها، إذ عليه أن يرد حضور المدعو لمناسبته بحضور مناسبة لهذا الأخير حتى لو كان الفاصل بينهما سنوات طويلة. وهذا كله على عكس الحال في الماضي، فقد كانت الأمور تمضي ببساطة وجمال وأريحية دون تكلف أو إلزام بالحضور والمشاركة».

تغيرات كثيرة

يقول عبدالله آل عباس، وهو خمسيني أيضا: «كان هناك في الماضي عادات كثيرة جميلة جداً، تعتمد على المحبة والمودة والصدق والأمانة والاحترام/ وعلى طيبة النفس وعدم التكلف، منها مثلاً لا حصراً دعوة حضور مناسبات الزواج أو الختان أو تبادل الكرامات فيما بين أفراد المجتمع، فكان الشخص صاحب المناسبة يبلّغ شخصاً واحداً من القبيلة أو من المجموعة المراد إكرامها ودعوتها للحضور والمشاركة في تلك المناسبة، وهو بدوره يبلغهم بقوله فلان يسلّم عليكم ويدعوكم لحضور مناسبة كذا، ويحدد المكان والزمان، ويكمل حياكم ومرحباً بالجميع، فيستجيب الجميع ويحضرون بكل ومحبة وارتياح، أما الآن فللأسف الشديد تغير الوضع وتغيرت طريقة الدعوة وتغيرت نفسيات وعادات الناس إلى الأسوأ، حيث تعقدت الأمور وباتت تلك الدعوات مكلفة في الجهد والمال والفكر، فلا يحضر الناس إلى المناسبة إلا إذا وجّهت دعوة خاصة لكل منهم باسمه، وبشرط أن يوصلها إليه صاحب المناسبة أو أحد أبنائه، ولا يقبلها من غيرهم، فكان في ذلك تباعد ومشقة وتكبّر فوق اللزوم».

فرحة وقبول

يضيف يحي آل صمع «كانت الحياة في الماضي تتسم بالبساطة، وكان الجميع يفرحون لحضور مناسبة، وكان أصحاب المناسبة أنفسهم يفرحون بقدوم الجميع، أما اليوم فصرنا لا نحضر إلا بدعوة شخصية، وحتى أصحاب المناسبات باتوا يحددون من يحضر عبر توجيه الدعوة له، ويرفضون من لا يوجهون له الدعوة».

وأضاف «أذكر حين كنا صغارا أن مناسبة أقيمت من أجل ختان في الجربة، وكنت أسكن في الفيصلية، ولم يكن عمري يتجاوز الـ14 عاما، وقد اجتمعت أنا وأبناء الحارة وقررنا الذهاب إلى المناسبة، وسرينا من بعد صلاة المغرب إلى الجربة، وكان علينا أن نمر ليلا في أماكن مخيفة خصوصا تلك التي يتجمع فيها النخيل، حيث لم يكن هناك إنارة وقتها، وكان الليل مظلما وله رهبته حينئذ، ولكن عزمنا على الحضور حتى دون تلقي دعوة هوّن علينا الطريق، لكن هذا كان من الماضي، أما اليوم فإننا لا نحضر مناسبة إلا بعد أن ندعى ببطاقة أو اتصال، وإلا إن كانت المناسبة لقريب أو عزيز، كما أن المناسبات نفسها اختلفت، فقد كان الناس هم أنفسهم يطبخون العشاء ويعدون القهوة والشاي ويخدمون الضيوف بأنفسهم دون كبر، أما اليوم فالطبخ في المطاعم والقهوة والشاي من أيدي عمال قد لا يعرفون تجهيز القهوة ولا تقديمها حسب العادات الاجتماعية».

اختلافات دعوات المناسبات

الماضي

كانت بسيطة وميسرة

الحاضر

مكلفة وباهظة

يكفي أن تتم بالإبلاغ

يمكن أن تتم بالإنابة

يشترط فيها الدعوة الشخصية

يجب أن تصدر من صاحب الدعوة