من العادات الرمضانية «الحسنة» المشهورة في وسط مملكتنا الغالية عادة «عشاء الوالدين»، وفيها يتم توزيع الطعام على أهل الحي، والمحتاجين من الأحياء الأخرى، وهي عادة اتبعها أهلنا في «نجد»، ورثوها عمن سبق، يحتسبون بذلك الأجر لمن توفي من آبائهم وأمهاتهم، وما زالت بفضل الله ممتدة.

هذه العادة على بساطتها، ضاعت بين الفتاوى، ولأننا في زمنها؛ رمضان المبارك، رغبت في التعريج على فتويين شهيرتين ـ مثنى كلمة «فتوى»، فتويان، ولا وجه لوضع حرف التاء ـ، الفتوى الأولى لفضيلة الشيخ محمد ابن عثيمين، رحمه الله، وخلاصتها أن «عشاء الوالدين» لا أصل له، لا من كتاب الله، ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا من عمل السلف الصالح، ومن يطالع كامل الفتوى سيجد في نصها: «الصدقة في رمضان من أفضل الصدقات لشرف الزمان، ولأن رمضان شهر الجود والكرم، وكان صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، ولكن اعتاد الناس من زمن بعيد أن يصنعوا طعاماً ليلة الجمعة، وبعضهم ليلة الإثنين ويدعون الفقراء، وكان الناس في بلادنا في حاجة شديدة، يفرح الفقراء إذا دعوا إلى هذا الطعام، فيطعم الناس منه، وكان غالب ما يكون من هذا الطعام ناتجا عن وصية يوصي بها الآباء والأمهات، فمن ثم أطلقوا عليه «عشاء الوالدين»، يعني العشاء الذي أوصى به الوالدان، ثم تدرج الناس إلى أن صاروا يذبحون الذبائح ليلة الإثنين، أو الخميس، أو ليلة الجمعة ويجمعون من حولهم من الجيران سواء أكانوا من الأغنياء أو الفقراء، وتكون حفلاً؛ فإذا كان هؤلاء يتقربون إلى الله بالذبح بخصوصه كانوا بلا شك «مبتدعة»؛ لأن الذبح لا يتقرب به إلى الله إلا في مواطنه، كالذبح في أيام النحر في عيد الأضحى، والعقيقة، والهدي إلى الحرم، وما سوى ذلك فإنه لا يتقرب إلى الله بنفس الذبح، ولهذا أخشى إن طال بالناس الزمان أن يعتقد الجهال أن رمضان كالأضحى، يكون محلاً للتقرب إلى الله بالذبح فيه، وهذه مسألة خطيرة؛ لأنها مبنية على عقيدة فاسدة».

الفتوى الثانية، على النقيض من سابقتها إلى حد كبير، وفيها قال المفتي العام للمملكة، سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز، رحمه الله: «الصدقة للوالدين أو غيرهما من الأقارب (مشروعة)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: لما سأله سائل قائلًا: هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، ولقوله صلى الله عليه وسلم: إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ودّ أبيه، وقوله صلى الله عليه وسلم لما سأله سائل قائلًا: إن أمي ماتت ولم توص، أفلها أجر إن تصدقت عنها؟

قال: نعم، ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، وهذه الصدقة لا مشاحة في تسميتها بعشاء الوالدين، أو صدقة الوالدين سواء أكانت في رمضان أو غيره».

أختم بأن تنوع الفتوى جميل للغاية، وفيه ترك لحرية التقليد للآخذ والسائل؛ وشخصيا وجدت في الفتوى الثانية التي أجازت العشاء «النجدي» تجويزا للوليمة «الحجازية» التي تسمى «الحول»، وتقام عن الوالدين وغيرهما، للغرض نفسه، وحمدت الله على ذلك، ورجوته التوفيق للجميع، إنه السميع المجيب.