يضطلع العمل الخيري في مختلف المجتمعات بدور إيجابي كبير، ويعد في غاية الأهمية اجتماعياً واقتصادياً، حيث يتيح الفرصة لعدد من فئات المجتمع المختلفة للمشاركة في عمليات البناء والتكافل الاجتماعي، وبالنسبة لنا كمسلمين يمثل العمل الخيري فضيلة من فضائل الأعمال التي يحث عليها ديننا الحنيف، كل حسب قدرته واستطاعته، حيث يسارع الجميع في هذه الأيام الفضيلة من الشهر الكريم في التنافس على أداء الأعمال الخيرية والتي منها على سبيل المثال لا الحصر، إخراج الزكاة والصدقات وتقديم المساعدات النقدية والعينية للمحتاجين.

ودون شك فإنَّ الفوائد الاجتماعية والاقتصادية للعمل الخيري، عديدة ومتنوعة، فاجتماعياً: يساهم بدرجة كبيرة في تقوية أواصر التواصل والتكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع، ويغرس مشاعر الود والألفة والمحبة في المجتمعات، ويزيد من شعورهم بأنهم كالبنيان الواحد، متماسك يؤازر بعضه بعضاً، بالإضافة إلى ذلك فإنَّ العمل الخيري يزيد من توعية الأفراد والمجتمعات بحقوق الغير عليهم. أما اقتصادياً، فإنَّ العمل الخيري، سواء أكان يقوم به الأفراد، أو المؤسسات الخيرية، أو الشركات من خلال برامج المسؤولية المجتمعية، يؤدي عدة أدوار اقتصادية، ولعل أبرزها أنه يعد مورداً اقتصادياً للمحتاجين من خلال تلبية بعضٍ من احتياجاتهم ورغباتهم الحالية والمستقبلية، وهو بذلك يقلل الفجوة ما بين المحتاجين والميسورين في المجتمع الواحد.

وربما كانت العاطفة هي المحرك للقيام بعمل الخير، وهذا أمر محمود شرعيا وإنسانيا، ومن منطلق ديني إنساني يحرص فاعل الخير على تأديته بشكل مباشر، ويدا بيد، بهدف الاطمئنان بأن الصدقة أو الزكاة على سبيل المثال تصل إلى مستحقيها، وهنا يجب الحرص بأن يصل المبلغ لمستحقيه، لكي يحصل به المقصود من هذا العمل الخيري.

وحتى لا يساء استخدام العاطفة بما ينعكس سلباً على الهدف من أعمال الخير واستخدام موارده فيما يضر ولا ينفع. فقد تنبهت الجهات المعنية في الدولة لمثل هذه الأمور وعملت خلال السنوات الماضية على إعادة صياغة الأنظمة واللوائح الخاصة بالجهات الخيرية والتعاملات المرتبطة بها حتى يتم العمل فيها بطريقة علمية سليمة، وضبط مستوى الحوكمة ورفع مستوى الشفافية فيها، بطريقة تكفل بمشيئة الله تعالى استدامتها وفعاليتها وضمان جودة العمل فيها، حتى تذهب هذه الموارد الخيرية إلى مستحقيها، في الوقت المناسب، وبالسرعة المطلوبة.

ومن هنا يأتي الدور الكبير الذي يجب أن تقوم به المؤسسات والجمعيات الخيرية وكذلك مؤسسات وشركات القطاعين العام والخاص، وذلك من خلال إنفاذ برامج المسؤولية المجتمعية وتطبيقها على أرض الواقع، حيث تعتبر المسؤولية المجتمعية للشركات والمؤسسات نوعاً من أنواع العمل الخيري المجتمعي، وهي تعد التزاما أخلاقيا تجاه المجتمعات المحلية، وليست عملاً شكلياً.

وفي ظل الزيادة الملحوظة في استخدام التقنية والاعتماد عليها بوجه عام؛ يتعين أن تستفيد الجمعيات والمؤسسات الخيرية منها في إدارة أعمالها، لأن ذلك سوف يساعدها كثيراً في إدارة أعمالها بطريقة أكثر تنظيماً وسرعة، وتسهل كثيراً من عمليات توزيع الموارد على المستحقين والمحتاجين وتحديد الأولويات للإسهام في تقديم خدمات أكثر وبشكل أدق ووفق أسس مدروسة، يمكن تحديدها من خلال قاعدة بيانات توضح قطاعات الأعمال الخيرية، وتوفر معلومات كافية تسهل معرفة الاحتياجات المطلوبة.

وأعتقد أن إنشاء قاعدة بيانات رقمية للجهات التي تقوم بالعمل الخيري في مجالاته المختلفة، يعمل على تحقيق الكثير من الأهداف، من أبرزها، أنها تساعد على معرفة المحتاجين الحقيقيين، كما تساعد على رفع كفاءة العمل وتجويده وتنظيمه بطريقة حديثة، إلى جانب ضمان عدم حدوث أي أخطاء في التطبيق والتنفيذ، بالإضافة إلى التقليل من أي عوائق إدارية، كما تعمل أيضاً على منع حدوث أي تجاوزات، وتسهم في الحد من التلاعبات؛ مما يسهل على الجهات المعنية القيام بدورها الرقابي بشكل أكثر فاعلية.

وهناك منصات خيرية أكرمها الله ونجحت نجاحا كبيرا في إبراز أهمية العمل الخيري من جوانبه كافة؛ وأرى أن من الأهمية بمكان أن ترى الجهات الرقابية في ظل المزايا الكبيرة لاستخدام التقنية، مساحة من المرونة تسمح مثلا في أن يقدم المتصدقون زكاتهم وصدقاتهم للمحتاجين من قرابتهم، فهذا من الأمور المحمودة في الشرع، ومن وجهة نظري أنه يشجع أهل الخير على أن يفصحوا عن مصارف أموالهم في أعمال الخير لأن استخدام التقنية يضمن بأمر الله سرية المعلومات.

وأعتقد بأننا نحتاج إلى تضافر أكبر لجهود الجميع لنشر التوعية بمفهوم وثقافة العمل الخيري، وذلك لمعرفة مدى أهميته والأدوار الاجتماعية والاقتصادية التي تنعكس إيجابا على وطننا وأمتنا الإسلامية من خلال تحقيق مقاصد الشريعة السمحة، ونسأل الله تعالى أن يوفق كل القائمين على أداء الأعمال الخيرية وأن يجعله في موازين حسناتهم، والحقيقة أن الدولة تشكر على جهودها في دعم وتحفيز العمل الخيري في مملكتنا الحبيبة وكل عام وأنتم بخير.