هناك ارتفاع ملحوظ في كثير من أسعار السلع في السوق المحلي، ويمتد إلى المتطلبات الاستهلاكية اليومية سواء الضرورية منها أو الكمالية نوعاً ما، علاوة على ارتفاع أسعار جميع المبيعات والسلع المطلوبة لكافة المستويات المعيشية من العقارات إلى السيارات إلى مواد البناء إلى الدواء والمواد الغذائية سواء المصنعة أو الطازجة وغيره من مستلزمات الحياة اليومية، بل وحتى أسعار تذاكر السفر الداخلي التي فاقت في صعودها وقيمتها أسعار تذاكر الرحلات الدولية، وكذلك سيارات الأجرة وشركات التوصيل وتكاليف استقدام العمالة المنزلية.

هناك طفرة غير مبررة في الأسعار المحلية، ليس مقارنة فقط بالدول المجاورة ، بل وبما لا يتناسب مع ما تجده جميع الجهات والقطاعات الوطنية من دعم حكومي وما نستهدفه في رؤيتنا الإستراتيجية من تحقيق تنمية مستدامة وجودة في الحياة لجميع الطبقات والشرائح.

عندما تجد هذا الارتفاع في مستوى الأسعار، يمتد ليشمل كثير من المستهلكات اليومية الضرورية رغم النمو الاقتصادي والازدهار الذي نعيشه وطنياً، نتساءل عن طبيعة ومستوى استشعار المسؤولية المناطة للجهات الرسمية المكلفة بمراقبة السوق والمعنية بمتابعة ذلك الانتهاك لحقوق المستهلك! وما الدور الرسمي المسؤول الذي تقوم به لضبط الأسعار ومراقبة مجريات السوق ومستحدثاته المتغيرة، وهل يعلم مسؤولوها المعنيون بحجم الجنوح الذي طال كثير من مستهلكاتنا اليومية الضرورية من الغذاء إلى الدواء إلى العقار إلى النقل، وهل يتابعون شكاوى الجمهور ومناداتهم المستمرة في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي عن تذمرهم ومعاناتهم من نسبة ارتفاع الأسعار غير المنطقية، وهل يطلعون ويرصدون ما يناقشه الإعلام من قضايا يومية تمس مسؤولياتهم، حول إشكاليات ارتفاع الأسعار وتأثيرها السلبي في كل مكان؟!

هناك وزارات ومؤسسات مسؤولة عن مراقبة وضبط الأسعار في السوق المحلي ، وهناك هيئات وطنية وجهات رسمية مكلفة بضبط مستوى جودة المبيعات والمنتجات بمختلف أنواعها، كما أن هناك لجانا وقطاعات ومجالس مسؤولة عن حماية المستهلك من جشع التجار المبالغ فيه، بل ومن استغلالهم المكشوف لمختلف المؤثرات أو العوامل التي قد تكون مؤثرة اقتصادياً في دول أخرى بعيدة، فيفرضونها على المستوى المحلي رغم ما يجدونه من دعم وطني.

مع مراقبة مستوى الغلاء الشائع في مختلف متطلباتنا اليومية، ومع متابعة استياء المستهلكين العام من ذلك الارتفاع الكبير في مستوى الأسعار الذي قد يصل لضعف السعر السابق؛ يظهر أن هناك احتكاراً لبعض السلع الضرورية من قبل بعض التجار، كما يتضح أن هناك ضعفا في وجود المنافسة الشريفة لصالح المستهلك، ويتبين أن هناك تراجعا في أداء الجهات المعنية بالمراقبة والمساءلة.

نتساءل لماذا لا نسمع ولا نشاهد أي تفاعل رسمي أو تدخلا من القطاع المعني بضبط ذلك الارتفاع والحد من ذلك الاحتكار والتمكين من المنافسة؟! أين وزراة التجارة عن متابعة السوق وما فيه من خفايا المبيعات، وأين هيئة الغذاء والدواء المعنية بمتابعة ومراقبة جودة الغذاء والدواء وأسعارها المطروحة في السوق، وأين هيئة المواصفات والمقاييس عن ضبط متطلبات الجودة، وأين الجمارك من مراقبة وتقنين الأسعار في الاستيراد، وأين الموارد البشرية من ضبط أسعار وتكاليف استقدام العمال المنزلية، وأين الإسكان ، وأين هيئة الطيران المدني، وأين هيئة العقار والمهندسين وغيرها من القطاعات، كل في ما يخص مسؤولياته ودوره في تحقيق التنمية الوطنية وتسخيرها لصالح الوطن والمواطن؟ أليس هناك برنامج وطني يشمل جميع القطاعات المعنية وهو ضمن رؤية تنموية نستهدف تحقيقها في غضون سنوات معدودة؟!

تحقيق التنمية المستدامة بأهدافها المقصودة وبلورة رؤيتنا الاستراتيجية؛ يتطلب مشاركة فاعلة من جميع القطاعات في تنفيذ متطلباتها الوطنية، بتضمين أهدافها وآليات تنفيذها عبر سياسات مؤسسية توضع خططها وترسم معالمها ضمن برنامج مؤسسي لكل قطاع مسؤول، وذلك بدوره يتطلب المتابعة والتقييم لمستوى الأداء الفعلي وليس النظري، في ضوء النتائج الملموسة والحقائق الواقعة من الميدان العملي، بل وبمساندة إجراءات علمية تتضمن استطلاعات مستمرة لرصد مدى رضا المستهلكين أو المستفيدين جميعهم عن مختلف الخدمات المقدمة، والعمل على تلمس الثغرات الموجودة ومواطن الإخفاقات ومعالجتها، لتحسين مستوى العطاء والارتقاء بالخدمات بما يناسب تطلعاتنا الوطنية، وبمستوى ما تجده جميع القطاعات من دعم حكومي في ميزانياتها وما تتطلبه معايير الجودة المستهدفة من مستوى إنجاز يخدم ما نسعى إليه في متطلبات ومعايير جودة الحياة والتنمية المستدامة الشاملة لمعالجة مختلف ما نواجهه من تحديات وتذليل العراقيل التي تعيق تحقيق أهدافنا المأمولة.