الطريق إلى المستقبل يبدأ من المدرسة، هذه هي الفكرة الملهمة التي كان نتاجها مشهد آيسف 2022.

ولا يفوتني هنا الإشادة ببرنامج (موهبة) وبجميع منسوبي إدارات الموهوبين في كل المناطق التعليمية، فقد أثمرت جهودهم فرحًا سعوديًّا استحضر لنا المستقبل كما نحلم أن يكون ملأ قلوبنا أملًا وفخرًا. وفي الوقت نفسه رفع مستوى التحدي أمام الميدان التعليمي بأكمله.

لكن وفي خضم هذا الفرح يبقى السؤال المطروح منذ سنوات، حول غياب مساحة الرعاية للموهوبين في المجالات الأدبية والعلوم الإنسانية ضمن برنامج موهبة!

لنا أن نتخيل كم سيكون الطريق شاقًا وطويلًا أمام أبطال آيسف 2022 لو لم تحتضنهم مدارسهم ممثلة في برامج الموهوبين، كم منهم يا ترى سيتمكن من النجاح والتميز، وكم منهم قد تمنعه الظروف المختلفة من مواصلة الطريق أو ربما يتأخر اكتشافه حتى يصل للمرحلة الجامعية ويفوت عليه الكثير من التأهيل والمعرفة والتطبيق والاحتكاك بالخبرات العالمية، وهذا ما عملت عليه برامج رعاية الموهوبين عامًا بعد عام.

تعرف (الموهبة) على أنها استعداد فطري على تقديم آداء متفوق وغير مألوف في أي مجال يقدره المجتمع. وكما نرى فإن هذا التعريف لا يقتصر على المواهب العلمية فقط.

مواهب كالكتابة بأنواعها والرسم والنحت والمسرح والموسيقى والتصوير وغيرها هي عوالم أخرى غير مكتشفة من الإبداع والخيال. وعادة تترجم هذه المواهب في صور تؤثر في وجدان وفكر واقتصاد العالم سواء روايات أو قصائد أو أعمال فلسفية أو فنية.

مجالات كهذه ما زالت متراجعة في مدارسنا ومتواضعة كإنتاج محلي مقارنة بالإنتاج العالمي، والحقيقة أنه حتى يبرز فيها أي شخص عليه أن يبذل الكثير من الجهد العشوائي، وتتفرق به السبل في ظل سيطرة الشللية والعلاقات والمصالح على المشهد الفني والثقافي.

ماذا والحال أننا هنا إنما نتحدث عن طالب يبدأ للتو رحلته نحو اكتشاف شغفه وقدراته الإبداعية، وما يزال محتاجا ليد قوية متمكنة تنهض به وتقدم له الدعم والخيارات، وتصقل أدواته بشكل مؤسسي ضمن برنامجه الدراسي اليومي.

كم عدد الروائيين السعوديين المؤثرين لدينا؟ وكم عدد الفلاسفة؟ كم موسيقارًا نعرف أو نحاتًا أو مصمم أزياء؟

كم رواية سعودية حصلت على جوائز عالمية أو ترجمت إلى لغات أخرى أو تحولت إلى أعمال سينمائية؟ المؤشر العددي هنا هو الأهم لاستقراء الواقع.

ولا شك بأن أقصر الطرق وأكثرها سلامة ووفرة هو الطريق الذي يبدأ من المدرسة.

عن أي طريق أتحدث هنا؟ عن الطريق إلى المنافسة بل الصدارة بما لدينا من عقول خلاقة وقادرة على صناعة الإبداع بكل أنواعه ومظاهره.

إنني أطالب وبشدة أن تتوسع برامج الموهوبين حتى تشمل الموهبة حيثما وجدت وكيفما كان شكلها ومجالها، فنحن أمام جيل ذكي منفتح قادر على إثراء الحضارة الإنسانية، فقط إذا استطعنا كمجتمع تعليمي أن نكون جزءًا لا يتجزأ من تجربته الإبداعية، وأن نكون رفاقه الموثوقين في رحلته نحو ذاته.

ما قبل آيسف 2022 ليس كما بعدها. ولعل أهم رسالة تلقيناها جميعا (أن لا تسمحوا لموهبة أن تموت ولا لمبدع أن ينطفئ).