لا يمكنك أن تكون مقيمًا على أرض فتولي بها جانبًا على حساب جانب آخر، فلم ينفصل الاقتصاد والاستثمار عن كونه القَدم التي يقف عليها بلد بأكمله، وكذلك لا نغفل عن أن الثقافة تعد الدرجة التي يصعد إليها المجتمع نحو أيٍّ من اتجاهاته الفكرية والمعرفية العلمية.

وقد يتساءل أحدهم كيف يكون ذلك؟

بدا مؤخرًا وغريبًا بعض الشّيء هو أنّ حالة الدّمج ما بين الثقافة والاقتصاد آلت إلى ما يسمّى بالاستثمار الاقتصادي الثقافي، وللوهلة الأولى يبدو أن هناك فجوة بين ضدّين وهما الاستثمار باعتباره ينظر إلى الموجود كحالة ماديّة صِرفة، بينما تتمركز وتتمحور الثقافة حول الحريات الفكرية والإبداع بأشكاله كافة، إذ لا تتقيد الحالة الثقافية الإبداعية بما هو موجود من بزخ ومال ورفاهية.


لكن في الوقت نفسه وبإحلال التوازن بين العمليتين المعنوية والمادية، وما يهدف إليه كلّ منهما، فقد عاد الاستثمار الثقافي الاقتصادي بالفائدة على كليهما.

إذ سرّع الاستثمار الثقافي من عجلة الاقتصاد التي كانت سببًا في نهوض المجتمع وتقدّمه، فوضعت الثقافة نفسها في مكان ترفد فيه الاقتصاد دون أن يخدش ذلك في رسالتها الحقيقية، فلم تحد عن هدفها الأساسي، ولم يقتصر الاستثمار الثقافي في دعم الاقتصاد على صناعة الكتب والأفلام كما هو سائد في الدول الغربية الأوروبية، بل أولت اهتمامًا كبيرًا للتراث الشعبي الموجود في المنطقة كمحطة ثقافية وبتسليط الضوء عليها وترويجها، مثلًا للسياحة الخارجية أو الداخلية دون أن تنفك عن أصالتها، كما ساهمت أيضًا كذلك المتاحف والمسارح ودور العرض والمكتبات بقِدمِها وبوجهتها الثقافية والبنى التحتية المحلية كلها استخدمت بما ينهض بالاقتصاد، ولم يسبب ذلك شرخًا بين أن تكون مثقفًا وبين أن تكون اقتصاديًا تستثمر ثقافتك.

ويضمن هذا الاندماج القبول فيما نتج عنها من منعكسات إيجابيّة، فالسائح اليوم بإمكانه أن يقصد وجهةً ثقافية مدعمة اقتصاديًا ويتجوّل ضمن قرى المملكة، ويشاهد تراثها عن قرب حتّى دون أن يتكلّف ماديًا في سبيل ذلك، حيث تتوفّر له الفنادق المخدّمة وليس فنادق خمس نجوم، و بإمكانه أن يطّلع على عوالم الحياة، القرى والمدن، وعمل أهلها وهم يحصدون أو يمارسون حياتهم، كما يمكن كذلك أن تتعرّف عن قرب على المعالم الأثرية التي تحفل بها المنطقة وتشتهر بها، أيضا التعرف على إنسانها، والعادات والتقاليد، والأزياء التي تلبس والرقصات الشعبية لهذه القرية، فيحصل على الغنى الثقافي المعرفي المتوفّر والسّهل دون أن يكون الاقتصاد بعيدًا عنه، فيرفد أحدهما الآخر بما يكسبه منفعة ونهوضًا، فلا ينفصل الإنسان عن ارتباطه بالأرض وبالاقتصاد والطبيعة، وما نشاهده في مملكتنا الحبيبة من انتعاش ثقافي اقتصادي لهو خير دليل على ذلك.