المتأمل في الأمم السابقة «البائدة» والذين أهلكوا بعامة، يثبت له أن مما سحقوا به عذاب الصيحة، وكانت على أقوام متعددة وفي أماكن مختلفة.

فسرها البعض بالصاعقة وقيل هي الصوت الشديد، ولكن لها معنى موحد.. أنها صادرة من جبريل -عليه السلام- وقد يخالطها أصناف من العذاب كالرجفة والصواعق والبراكين والزلزال، كذلك حجر السجيل، ونلاحظ هنا ثلاثة أقوام اختلف مكانهم وزمانهم، وهم قوم مدين ولوط وثمود، نقموا بالصيحة كلهم أجمعين، وذكر في هلاك أصحاب مدين أو قوم شعيب ألوان العذاب التالية، قال تعالى: (فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم).

ونلاحظ أيضًا الصيحة قال تعالى: (وَلَمّا جاءَ أَمرُنا نَجَّينا شُعَيبًا وَالَّذينَ آمَنوا مَعَهُ بِرَحمَةٍ مِنّا وَأَخَذَتِ الَّذينَ ظَلَمُوا الصَّيحَةُ فَأَصبَحوا في دِيارِهِم جاثِمينَ)، قال ابن كثير من الأسرار الدقيقة أن هؤلاء أمة واحدة اجتمع عليهم عذاب هذه النقم كلها، وإنما ذكر في كل سياق ما يناسبه، والجزاء من جنس العمل.. لما قالوا لنخرجنك يا شعيب والذين معك، حيث أرجفوا عليه وعلى أتباعه ناسب أن يذكر هنا الرجفة.. ولما أساءوا الأدب في مقالتهم على نبيهم ذكر الصيحة التي استلبثتهم وأخمدتهم، وفي الشعراء لما قالوا فأسقط علينا كسفا من السماء أن كنت من الصادقين.. أخذهم عذاب يوم الظلة.

أما قوم ثمود فأنزل الله بهم (رجفةً)، قال تعالى: (فأخَذَتُهم الرَجفةُ فأصبَحوا في دارِهِم جاثِمين)، وفي موضع آخر سُمي العذاب الذي وقع عليهم (بالصَيحةِ)، فقال تعالى: (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ) هود.

قال الله تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) القمر، وقال تعالى: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).

ومن هنا نكتشف أن الصيحة خالطت الرجفة (زلزال)، وأتت مع صاعقة عظيمة، وأما قوم لوط فسنجد أشكال من العذاب، وهي كالآتي: (الصيحة.. العمى.. الخسف.. القذف بالحجارة)، قال تعالى: (وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ)، وقال تعالى: (فَأَخَذَتهُمُ الصَّيحَةُ مُشرِقينَ* فَجَعَلنا عالِيَها سافِلَها وَأَمطَرنا عَلَيهِم حِجارَةً مِن سِجّيلٍ..).

إذن مما سبق نلحظ أن الصيحة عامل مشترك مع سائر أنواع العذاب والهلاك الذي أحاط بالأمم البائدة والسابقة الذين ملأوا الدنيا رجسًا، فأحل الله بهم الرجز في حوادث مذكورة وطوارق مشهورة في كتابه الكريم، كان زمنها ما بين لحظة الإشراق والإصباح.. صباح منكدر حقًا.

وبقي أن نذكر الصيحة الكبرى صيحة القيامة؛ أي صيحة الصعق ثم صيحة البعث.. قال تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللّه، وقال تعالى: (إن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَٰحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ).