عندما بدأ الدكتور غازي القصيبي -رحمة الله عليه- وزملاؤه في إنشاء «سابك»، كتب صحفي أجنبي زارهم، أن بضعة شبان في مبنى ضيق يزعمون أنهم سينشؤون أضخم مجمعات البتروكيماويات في المنطقة.. وها هي الآن «سابك» أحد أكبر شركات البتروكيماويات في العالم.

عندما بدأت دبي وأنها ستكون مدينة عالمية وستنافس أكبر مدن الغرب، كثير من الصحفيين الغربيين استهزأوا بهذا الطموح، والآن انظروا كيف هي دبي.

طبعا الصحفيون الغربيون أو الغرب عموما، لا يستوعب أن هؤلاء البدو سينشؤون حضارة أو صناعة تنافس بل تتفوق عليهم، يعتقدون بكل سذاجة أن بدو الخليج مجرد أناس يستخرجون البترول ويبيعونه، ونسوا وتناسوا أن كثيراً من دول العالم لديها نفط، بل أكثر من نفط الدول الخليجية، لكن حالتها الاقتصادية وحالة شعبها مزرية.

الموضوع ليس بالسهولة التي يتصورها البعض، الخليج عرف كيف يستثمر دخله، وأيضا بنى رأس ماله البشري، وانعكس ذلك على اقتصاد ورفاه شعبه.

تعاد القصة هذه المرة، لكن لأسباب سياسية أكثر منها اقتصادية، من خلال تقارير عن نيوم وإدارتها التنفيذية.

نشر تقرير في صحيفة الوال ستريت جورنال المعروفة، عن نيوم وعن إدارتها التنفيذية، وكان فيه هجوم شرس بأنها تطفش الموظفين... إلخ.

لفهم الموضوع والتقرير يجب شرح ثلاث نقاط:

أولا، لماذا صحيفة الوال ستريت جورنال تحديدا، لو صدر هذا التقرير عن النيويورك تايمز أو الواشنطن بوست، لما حاز هذا الأخذ والرد، لأن كلاهما أخذت موقفا عدائيا يساريا وشخصيا واضحا من المملكة، والجميع يعرف ذلك، لذلك مصداقيتهما مهزوزة فيما يتعلق بالمملكة، ولا يهم كثيرا تقاريرهما، وربما لم نكن لنكتب عن الموضوع.

ثانيا، اختيار الوال ستريت جورنال له قصد ورمزية معينة، لأنها الجريدة ربما الوحيدة حاليا التي تقرأ من الحزبيين الديمقراطيين والجمهوريين، واستطلاعات الرأي بينت أن هناك انقساما حادا بين وسائل الإعلام، فبعضها يساري بحت، والآخر جمهوري، ولكن الوال ستريت جورنال ما زالت مقروءة من الطرفين، لذلك هو أراد الوصول إلى أكبر عدد من الحزبين، خصوصا الانتخابات النصفية على الأبواب واحتمالية خسارة الديمقراطيين كبيرة.

ثالثا، أعتقد بشكل شخصي أن الهجوم على نيوم والإدارة التنفيذية، ليس المعني بها الإدارة التنفيذية، ولكن هم يريدون كالعادة مهاجمة القيادة السعودي، ومهاجمة درة مشاريعها وهي نيوم، وأعتقد أن للأمر علاقة بالإدارة الأمريكية الحالية، إدارة بايدن.

كما يعلم الجميع أن هناك أنباء عن زيارة مستقبلية قادمة لبايدن للمملكة، وكما جرت العادة بين الدول هناك نقاشات ومفاوضات خلف الستار لأجندة الزيارة والاتفاق عليها، ويظهر أن السعودية لديها أوراق قوية في يدها على جميع الأصعدة، من سوق الطاقة إلى العلاقات مع القوى العالمية الأخرى، إلى الحالة الاقتصادية العالمية، بينما الإدارة الأمريكية لا تملك الكثير من الأوراق، خصوصا أن إدارة بايدن في بداية عهدها صعدوا فوق الشجرة وأزبدوا وأرعدوا بخصوص المملكة، والآن نزلوا من الشجرة للواقع، وعرفوا حجم المملكة. والسعودية كما هي العلاقات بين الدول لديها طلبات ومصالح وتريد أشياء ملموسة وتبدو إدارة بايدن مشتتة، خصوصا بعد التحركات الخاطئة السابقة مثل تصنيف الحوثيين وإيقاف توريد بعض السلاح والهجوم الإعلامي.

وبما أن إدارة بايدن تريد نوعا من المصالحة مع السعودية فهم لن يقوموا بالهجوم المباشر على شخص ولي العهد ولكن مهاجمة مشاريعه، وذلك لكسب بعض الأوراق في المحادثات القادمة مع المملكة، لكن الإدارة الأمريكية الحالية تناست شيئا مهما، وهو أن السعودية الجديدة لا تتأثر بتقرير إعلامي من وسيلة إعلامية هنا وهناك، والسعودية لن تتخلى عن شركائها الدوليين من أجل إدارة متقلبة مثل إدارة بايدن.

إذا جاء بايدن كان بها، وإن لم يأت فإن السعودية ليست هي من يضع كل البيض في السلة الأمريكية، وتغيير موعد الزيارة وتوقيتها لا يغير في الرؤية والمتطلبات السعودية، وفي (نهاية المطاف من الذي يحتاج الآخر؟)، وهذه هي قاعدة بل زبدة العلاقات الدولية، من استطلاعات الرأي تفيد بأنه في أسوأ حالاته، ومن الذي يعاني من أسوأ تضخم منذ عدة عقود، ومن الذي سيمنى بالهزيمة في الانتخابات النصفية القادمة، ومن الذي يعاني من ارتفاع أسعار الطاقة... إلخ.

الملاحظ في هذا المقال أنني لم أتطرق إلى ادعاءات تقرير الوال ستريت جورنال فيما يخص نيوم والرد عليها، لأنه لا أعتقد بأهميتها، ولأننا ذهبنا في هذا المقال بشكل مباشر لما خلف هذه الادعاءات، وماذا أريد بها، وهي (شنشنة نعرفها من أخزم!).

إذا جاء بايدن كان بها، وإن لم يأت فإن السعودية ليست هي من يضع كل البيض في السلة الأمريكية، وتغيير موعد الزيارة وتوقيتها لا يغير في الرؤية السعودية.