نلجأ كبشر في بعض المواقف إلى عبارات تخمد هول ما حدث، فإن وجدنا أنفسنا في مأزق ركضنا إلى معجم الكلمات، وتخيرنا منه من النصوص ما يليق لنهوّن على أنفسنا الموقف، فنستخدم عبارات «كلو كان خيرا لبقى، المسامح كريم، زلة لسان»، وأيضا مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم «إنما الاعمال بالنيات».

أحيانا نتسرع بالدفاع عن أنفسنا ونحن لا ندرك حجم الأذى، الذي نقترفه في حق من أمامنا، ولا نفهم معنى تلك الكلمات التي نقولها، فنرددها دون أدنى إدراك لحقيقة مقصد ما ننطق به، فمثلا إنما الأعمال بالنيات، تعني أن الله سبحانه وتعالى سيرزقنا على قدر نياتنا، ولا تعني أن البشر الذي من تراب يجب أن يترك أفعالنا التي جرحته ويبحث عما في داخلنا، فهذا الفعل الكريم جدا هو لله وحده، أما البشر، فسيعامولننا بأفعالنا، فإن الأعمال بالأفعال معهم، بالمواقف. فلو حدث وجرحنا شخصا ما بأي طريقة، ليس من المنطق أن نطلب من الشخص نسيان ذلك الجرح، لأننا نكن بداخلنا عكسه، بل يجب أن نفعل نحن ما يواسي داخلنا، فالنية الطيبة لا تبرر الأخطاء أبدا، بل هي من المفترض أن تكون فقط دافعا للعمل الطيب، والجروح من صغيرها إلى كبيرها مؤذية، ولو فقط بالمشاعر وتختلف حساسية البشر في ذلك.

تبرير الأخطاء المكثف المبني على مبدأ النية الطيبة جدا وهم، يجب أن نتمعن في تصرفاتنا وإن أخطأنا نأسف، نعترف، نتوقف عن الأذى و نحاول أن نعوض، فإن من أمامنا إنسان له عقله وله مشاعره، وله الحق أن يغضب وله الحق بأن يرضى، وليس من الواجب عليه، وليس من المفروض عليه، أن يكون من مقدرته أن ينظر إلى ما في داخل قلوبنا وينسى فعلتنا.

إن كانت نيتنا نية حسنة، يجب علينا أن نعمل بها، أن نظهرها، أما النية التي لم تخلق أفعالا تؤكدها لا تحتسب ولا تقدر في مفهوم البشر، فالخطأ المقصود، وغير المقصود كله مؤذ بطريقة ما.

وليس من المفترض على أي شخص أن يتحمل ذلك، بل هو كرم منه إن حدث.

«ومن الأخطاء ما لا يجدي معه الاعتذار ـ نجيب محفوظ».

ليس واجبا للمخطئ مسامحته، وإن كانت هي دوما الخيار الأفضل، ولكنها لصعوبتها أتت مقرونة بالمقدرة، وتختلف قدرة النفوس على ذلك.

عموما أعتقد أن نياتنا تظهر في وجوهنا، تظهر علاماتها علينا، القلوب الطيبة تشع من العيون، ويمكننا أن نرى ما يكنه الأشخاص لنا دون أي مجهود منا.

وأحيانا تأتينا الأذية متسترة، فكم من زلة لسان مصطنعة من شخص، أتت بعد دراسة وتفكير، وكم من موقف عابر بسيط كان وراءه مقصد معاكس كبير، وعندما ننظر حقيقة النظر سنرى أن النيات مكتوبة ومرسومة على الوجوه بوضوح، ولكن كما قالت شارلوت برونتي «إن الحياة تبدو لي أقصر من أن تُنفق في تنمية البغضاء، وتسجيل الأخطاء».. يجب أن نقول نحن لأنفسنا «إنما الأعمال بالنيات» ونحاول ألا نكن الغضب مهما بلغ حجم الأذية، نحاول أن نلجأ إلى الارتقاء و التغاضي، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي عرف بقوته «عاملوا الناس بما يظهرونه لكم والله يتولى ما في صدورهم».

فعلا إن التغافل جميل ومريح وبه حقاً نرتقي عن الإساءة، من المفيد جدا أن نعلو بأنفسنا فلا تصلنا حتى مشاعر الأذية السيئة.. لا نفكر بها، لا نعيش في نطاقها ونضيع فيها وقتنا وطاقاتنا، بل نتناسى من أجل أنفسنا ومن أجل الغير، وأن ننوي وجه الله في ذلك، فمن طبع الدنيا بأن تسقي كل ساق من كأسه بلا أدنى مجهود منا «ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله..».

إنما الأعمال بالنيات فعلا، كلنا سنحاسب على ما تكنه قلوبنا، فإن الله سبحانه وتعالى بعظمته ينظر إلى ما في داخلنا، فأساس خير الإنسان كله نيته، والنية الطيبة لا تجر معها إلا الأفعال الحسنة والأرزاق الجميلة.

«وعلى نياتكم ترزقون» وفي الدينا سعادتنا رزق، راحتنا رزق، حب الناس لنا رزق، إنجازاتنا رزق، ومالنا وجمالنا كلها أرزاق، فلنعمل على تطهير قلوبنا ونياتنا.. ولنَكن نية فعل الخير دائما لكي يبارك الله لنا في حياتنا.

«على العبد النية وعلى الله التمكين إن خيرا فخير وإن شرا فشر» مصطفى محمود.