ربما كثير منا يتفق مع رؤية قدمها مختصون، لتوصيف عالم السياسة بأنها فن الممكن، لكن أضاف لها مفكرون أنه ينبغي الحفاظ على المبدأ.. وهو أمر لا بد منه خصوصًا لمن يحمل إرثا يعتقد أنه سقي بالدماء والتضحيات الكبيرة، على أن يجعل من هذه التضحيات مصداقا له أمام جمهوره.. وليقنعه لا بد له أن يكون خطابه متسقا وفكر هذا الجمهور..

عمد التيار الصدري إلى استخدم أسلوب المناورة، بشكل متكرر ومتعدد الأشكال، فمرة نراه يتفق مع الجميع، وفي اللحظات الأخيرة نراه يتنصل عن أي اتفاق، ويتراجع عنه تحت مبررات هو يقدمها، الأمر الذي جعل القوى السياسيةعمومًا تترقب مواقفه على حذر وريبة، رغم أنها في نفس الوقت لا تتسق معها.

الانتخابات الأخيرة التي أجريت في تشرين الأول الماضي، شكلت منعطفًا جديدًا في الخارطة السياسية، وعلى الرغم من كل الملاحظات التي تخللتها، إلا أنها رسمت وضعًا جديدًا وطريقًا اتخذه التيار الصدري ليكون رأس الحربة في أي متغير قادم، هو يتوقعه أو يريد تحقيقه.

الدعوة «الأمر» التي وجهها السيد الصدر لنوابه في البرلمان، بالتهيؤ لتقديم استقالاتهم جميعًا، ليست بالقضية الجديدة، فقد استخدم هذا الأسلوب مرات عدة.. وكان يعتمد على تحرك الشركاء واندفاعهم، لإقناعه بالعودة إلى دوره في العملية السياسية، ولكن وكما يبدو فإن هذه المرة ليست كسابقتها، فالجميع متحامل على موقفه الذي شق به عصى الكتلة الأكبر، وسعى ليكون سببًا مباشرًا في تفتيت عرى المكون الأكبر.. وهو خطر تراه بقية أحزاب وتيارات المكون الأكبر خطيئة كبيرة وخطرًا يهدد المكون والعراق كله..

لذلك فإن موقفه جديد/ قديم، بالتالي فربما لن يكون هناك أي موقف من الشركاء لإقناعه بالعدول عنه، بل سيكتفي الجميع بالسكوت وعدم التحرك نحوه، مما يعني أن هناك فرصة مهمة ستكون، لخصومة للإطار التنسيقي في التحرك نحو الفرقاء السياسيين، لإقناعهم بتشكيل تحالف يجمع القوى السياسية، لتشكيل حكومة تتكون من جميع المكونات السياسية في البلاد.. ورغم أنها قد تكون مغامرة لما عرف عن استخدام التيار الصدري المتكرر للشارع، وما فيه من مخاطر وتعطيل للحياة، لكنه قد يدفعهم لهذا الخيار، عندما حاصرهم بزاوية ضيقة من الخيارات في التعامل معه..

الحديث عن استقالة نواب التيار الصدري، حصل في وقت سابق وربما لعدة مرات، وصارت هذه الخطوات مألوفة ومتكررة من التيار، ولا تقود لحل البرلمان أبدًا باعتبار هذه الخطوة تعتبر مغامرة، لا يمكن توقع أو تحديد نتائجها بدقة.. كما أن الشارع العراقي لا يتقبل ولا يتحمل أي انتخابات جديدة قريبة، في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها، ما يعني أن ذهاب أي كتلة إلى الاستقالة، لا يمكن لها أن تكون معطلة لتشكيل الحكومة، ويمكن تشكيلها من باقي الكتل، والذين سيستغلون الفرصة، في تصعيد مرشحيهم الاحتياط بدلا من المستقيلين، ويعدلون ميزان القوى، الذي أربكته نتائج الانتخابات الأخيرة...

نعتقد وكما يرى محللون أن الوضع السياسي لا يتحمل أي إعادة قريبة للانتخابات، وليس أمام القوى السياسية إلا التوافق لتشكيل الحكومة، أو الذهاب لخيار الاحتماء بالشارع، ما يعني دخول البلاد في تشرين ثانية، ولكن هذه المرة بسلاح الصدريين، وبواقع محلي وإقليمي ودولي، يختلف عما سبق.. واقع لا يمكن توقع تأثيراته في معادلتنا مطلقا.