إذا لم تعلم أين تذهب فكل الطرق متشابهة!

أعتقد أن العالم الآن ينطبق عليه هذا المثل الغربي؛ لأننا نمر بحالة غريبة وغير مسبوقة من ناحية الأزمات في تنوعها وتوسعها وتلاحقها.

فعلى مر التاريخ حدثت أزمات كبيرة منها السياسية والعسكرية والاقتصادية أو الصحية (مثلاً الإنفلونزا الإسبانية- التي لا علاقة لإسبانيا بها لكن لأن صحافتهم اهتمت بها كثيرا سميت كذلك- فالإنفلونزا الإسبانية قتلت عام 1918، 2 % من سكان الأرض وتعطلت عجلة الاقتصاد بشكل مدمر.

ثم أعقبها الكساد الكبير (علماً بأنه لا علاقة بينهما من ناحية الأسباب)، وتسبب الكساد الكبير عام 1929 في الشلل المروع للاقتصاد الأمريكي، إذ انخفض الناتج المحلي العالمي بنسبة 15 % وفقد 23 % من العمال في العالم أعمالهم، بينما في أزمة الرهن العقاري 2008 انخفض الناتج العالمي بنسبة 1 % وفي أزمة كورونا انخفض الناتج المحلي العالمي بنسبة 6 %.

وخلال قرنين من الزمان مر العالم بنحو 14 أزمة مالية متنوعة بأسبابها وآثارها، لذا فإن الأزمة الحالية هي الأوسع والأشمل والأغرب لأنها حوت في رحمها عدة أزمات: صحية (كوفيد)، وسياسية (توتر عالمي)، وعسكرية (الحرب الروسية الأوكرانية، وإرهاصات الحرب العالمية الثالثة)، واقتصادية (تضخم عالمي)، فلأول مرة خلال 40 سنة يصل التضخم في أمريكا إلى 10 %، وأيضاً (أزمة سلاسل الإمداد وأيضا ارتفعت أسعار النفط بنسبة 60 % خلال أشهر)، وكذلك أزمات غذائية بارتفاع أسعار الغذاء لأرقام غير معهودة، وربما تكون غير محتملة لدى قطاع عريض من الناس.

لكن دعونا ننظر لنصف الكأس الممتلئ؛ ففي كل أزمة تبرز فرص ومع كل محنة تأتي منحة أو أكثر، فكل أزمة عالمية مرت يعقبها انتعاش عالمي اقتصادي واسع هو جزء من الدورة الاقتصادية العالمية التي تحدث كل 10 - 15 سنة، فعندما نقول أزمات عالمية فنحن ننظر للأمر من الأعلى، فلو كنا أكثر دقة، وكما يقال في عالم الأسهم هل نتبع السوق أم القطاع أم الشركة بعينها (لأن المؤشر قد يكون هابطاً لأكثر من قطاع أو شركة مع وجود ما يخالفه في قطاعات أو شركات أخرى، وسأفرد مقالا خاصاً للأسهم وللعقار).

أعود فأقول، إننا نلاحظ أن الأزمات التي تتعرض لها الدول الكبرى خصوصاً لا تنعكس بالضرورة على جميع الدول، فخلال أزمة الرهن العقاري 2008 كانت أمريكا تغرق اقتصاديا بينما كنا في السعودية نحقق فائضاً بـ581 مليار ريال، وكذلك خلال هذا العام 2022 يعاني العالم اقتصاديا، بينما ولله الحمد السعودية في أحوال اقتصادية جيدة.

ومهما يكن؛ فثمة ملامح ودروس من المناسب أخذها في عين الاعتبار من قبل الأفراد أو المؤسسات:

الادخار الادخار الادخار.

إن لم تستثمر فقد تقع في ضوائق مالية، وللاستثمار فنون عديدة سوف أستعرضها في مقالة لاحقة.

الابتعاد عن القروض الاستهلاكية ما أمكنك ذلك.

ضرورة تنويع خبراتك ومعلوماتك كي يسهل عليك الانتقال من عمل إلى آخر بسهولة.

أما بالنسبة للمؤسسات:

فلا بد من المرونة المالية والتسويقية.

الاستعداد للمخاطر والتهديدات وللفرص أيضاً ويتحقق هذا بوجود قسم خاص بدراسة الأحداث العالمية والمحلية وتأثيرها على الشركة والمجال والمنطقة.

إن الاقتصاد عصب الحياة، وقرين السياسة، وحياة المجتمع، والحاجة إليه حاضرة لدى كل فرد، وفي أي مجتمع، وعند كل دولة؛ فهو جزء من الأمن المالي، ومن الأمن القومي.