يعبر البعض مؤخرًا عن مخاوف مختلفة تتعلق بمشاركة المرأة للرجل في بيئات العمل.

تتنوع هذه المخاوف فبعضها يتناول الأحكام الشرعية للاختلاط، وبعضها ينذر بإمكانية تعرض المرأة للضغوط أو الاستغلال بسبب جنسها، أما البعض الآخر وهو الأكثر غرابة فهم أصحاب المذهب (الرومانسي) أولئك المنذرين بوقوع (الفتنة) و نشوء العلاقات العاطفية بين زملاء العمل!

ولكننا إذا ما حاولنا مقاربة هذه الزوايا المختلفة فإننا سنرى بوضوح أن هذه الأفكار في مجملها هي نتاج سنوات من العزلة صنعت مخيلة جمعية قلقة من كل وضع جديد يتعلق بالمرأة على وجه الخصوص.

ولو رجعنا لموقف الشريعة الإسلامية لما وجدنا أي تحريم أو تحذير من التعامل الطبيعي بين الرجال والنساء، ولما وجدنا للاختلاط تأصيلًا في أبواب الفقه المعتبرة، إنما الوارد والمشهور هو التحذير من الخلوة المؤدية للريبة. بل ودلت الروايات العديدة على طبيعة حقبة الإسلام الأولى إذ كان الناس رجالا ونساء يتواجدون معًا في الأسواق والمساجد والمعارك ورحلات الحج والتجارة. يبقى ان نقول أن المجال الصحي على سبيل المثال لم يفصل أبدًا وظل تشاركيا بين الرجال والنساء ولم يحدث ما يستحق الذكر من عواصف أخلاقية أو زلازل عاطفية كما يتصور البعض بل الواقع أن التعامل اليومي بين زملاء المهنة يؤدي للاعتياد ويلغي الفوارق الجندرية ويصبح لدى الجميع همومًا مشتركة متعلقة بطبيعة العمل واحتياجاته.

ولكن من جهة أخرى أرى أنه لابد ونحن نمر بفترة التحول الحالية أن نجري تحديثًا لمدونة السلوك الوظيفي وما يتبعها من مواثيق مهنية داخلية لكل جهة فتكتب نصوص قانونية صريحة تلائم الأنماط الوظيفية الجديدة وما يرافقها من تغيير في قناعات المجتمعk بحيث تحدد السلوك المخالفk وتوضع آليات للتحقق من وقوعه ومن ثم تحديد العقوبة الملائمة.

كما أنه من الأهمية بمكان رعاية البواعث الأخلاقية والإنسانية القائمة على احترام المهنة والتعامل المنضبط مع شركاء بيئة العملk وتعزيز الوعي والرقابة الذاتية.

كذلك من المهم فهم الانعكاسات الاقتصادية السلبية لمرحلة العزل والتي تمثلت أولا في تقليص مجالات العمل المتاحة للمرأة، ناهيك عن الهدر الاقتصادي الناجم عن تخصيص أماكن منعزلة للعمل مع عدم جدوى هذا الفعل إذ الناس بطبيعة حياتهم يختلطون في الشوارع والمقاهي والأسواق والمواصلات وغير ذلك، ولا يمكن لأي خطة مهما بلغت دقتها أن تنجح في مسألة العزل.

وأقصد هنا نجاحًا حقيقيًا عادلا دون أي آثار جانبية. علينا أيضًا أن نستشعر أننا جزء مهم من أي تغيير نهضوي في بلادنا، وأن نثق بأنفسنا وأبنائنا وبناتنا ونتعامل مع ظروف عصرنا بما يحسن حياتنا وتجاربنا بدلا من الغرق في أوهام ماضوية لا قيمة لها.