إن المتابع لمواسم الحج منذ ما قبل تأسيس الدولة السعودية الثالثة وحتى الآن يدرك حقائق تاريخية هامة، وأولها أن مواكب الحج كانت تتعرض للسلب والنهب والقتل من قطاع الطرق المعروفين في زمانهم بمصطلح «الحنشل»، الذين لا توجد سلطة توقفهم عند حدهم حتى جاء الملك عبدالعزيز - رحمه الله - وأرسى دعائم الأمن والاستقرار في بلاد الحرمين الشريفين.

أما الحقيقة الثانية فهي مستوى الجهل الذي كان عنواناً للحجاج ولمن يقدمون لهم الخدمات قبل عهد الملك عبدالعزيز، مما جعل الملك عبدالعزيز ومن جاء بعده من ملوك الدولة السعودية الحالية ينفذون بنجاح خططا أعدت بكل دقة لرفع مستوى فهم الحجاج ومن يقومون بخدمتهم لدينهم، ومتطلبات التعامل مع حجاج بيت الله الحرام، خاصة أن جلَُهم لا يقرأون ولا يكتبون ومعرضون للأمراض في أزمنة مضت، حتى صار المتابعون في زماننا هذا يلاحظون وجود عشرات الألوف من الرجال والنساء السعوديين المكلفين لخدمة الحجاج، فمنهم رجال الأمن ومنهم الوعاظ والمرشدون وأصحاب الفتوى والصحيون والمفوجون والمحسنون والمتطوعون والجمعيات الخيرية غير الربحية. وباختصار فإن الدولة جندت جميع قدراتها وأجهزتها ومواطنيها لخدمة حجاج الرحمن.

إن الدولة السعودية أعزها الله تعلم بأن خدمات الحجاج لتحقيق سبل راحتهم تتطلب إنفاقاً مالياً تعجز أي دولة أخرى عن تأمينه. فقامت بإنفاق مليارات الريالات على المطارات والموانئ لزيادة استيعابها لاستقبال الحجاج والمعتمرين، وقامت بتأمين الخدمات المتنوعه لحجاج بيت الله، ونفذت عددا من التوسعات في الحرمين الشريفين حتى صار الحرم المكي والحرم النبوي يتسعان لملايين المصلين.

ولم تهمل السلطات السعودية احتياج ضيوف الرحمن إلى وجود إسكان كاف لهم أثناء مواسم الحج والعمرة فقامت بتنفيذ خطط بإنشاء مجمعات سكنية عملاقة، وفتحت أبواب الاستثمار الحكومي والخاص لبناء مئات الفنادق والشقق المفروشة لتأمين السكن اللائق لحجاج بيت الله الحرام، وصرفت التعويضات الكبيرة لإزالة الأحياء العشوائية في مدن مكة وجدة والمدينة المنورة، وكذلك المباني القديمة التي تعترض خطط التطوير، بل طوعت الجبال مثل جبل عمر وغيره لإنشاء عينات مدنية تخدم سكان مكة والحجاج على حد سواء. وفي نفس الوقت وعبر عقود من الزمن نفذت الدولة السعودية أدامها الله تطوير المشاعر المقدسة مثل جسر الجمرات وغيره مما جعل تنفيذ الشعائر للحجاج أمراً سهلاً وميسراً.

أما خطوط الطرق والمواصلات والاتصالات فقد نفذت بشأنها مشاريع جبارة، حيث لاحظ المتابعون والمراقبون أن هناك قفزات نوعية في هذه الحقول بمختلف أنواعها.

إن المتابعين يلاحظون ويشاهدون كل أنواع السيارات والباصات والقطارات والطائرات العمودية وشبكات الاتصالات وهي تعم كل المشاعر المقدسة، وزيادة على ذلك فإن القطارات والباصات تنطلق من المدينة المنورة إلى مكة والعكس خدمة للحجاج والمعتمرين، فإذا أضفنا الخدمات الصحية للحجاج التي أنشئ لتحقيقها العديد من المستوصفات والمستشفيات والمراكز والنقاط الصحية، علاوة على تطبيق برنامج إعطاء الحجاج تأشيرات الدخول إلكترونياً من بلدانهم، فهذا جعل كل سعودي يفخر بما أنجزته حكومته تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين، حفظهما الله وحفظ بلادنا من كل مكروه.