لا أعلم من هو الشخص الأول الذي استخدم مفردة (عرب الشمال) كنوع من القطيعة الثقافية أو المفاصلة، لكن الذي أعلمه يقينًا أن الردح المتبادل بين العرب مجرد (هراء) فإن امتزج بأي معلومات هدفها الانتقاص المتبادل فليست سوى (أيديولوجيا تعبوية) فعن أي عرب شمال أو جنوب نتحدث؟!

سأكون أكثر مباشرة خصوصًا مع وسائل التواصل وتقريبها المخيف بين ما نراه بعيدًا، لنرى شخصًا في دولة (خليجية) يسمي ابنته باسم بنت أحد رؤساء أمريكا ليتردد ذلك بين وسائل الإعلام وصولًا للصحافة الأمريكية نفسها، فهل شعرنا بهذا التداخل العولمي الشديد، والعكس أيضًا لتجد فتاة أمريكية تتبادل الحديث عبر وسائل التواصل مع شاب (خليجي) يقيم في ضاحية من ضواحي المراكز النائية في إحدى (دول الخليج)، كل هذا لنقف موقفًا عقلانيًا مما أريد الحديث عنه وهو الشعبوية ضد ما يسمونه (عرب الشمال).

وهنا لا نتجاهل أهمية دفاع المواطنين في كل مكان عن أوطانهم، فهذا حق مشروع ولا غبار عليه، الإشكال يكمن في تعميم الهجوم في محاولة أراها خطيرة لخلق (أنساق العداوة والكراهية) (طائفية/سنية شيعية) أو (عرقية/قبائلية) أو (جهوية/عرب شمال وعرب جنوب) تزيد تقطيع اللحم الحي في الجسد العربي المريض، هل ما أحكيه مثاليات لا يمكن تحقيقها على الأرض؟ وللتأكيد أن ما أراه ليس مثاليًا ولم تعجز عنه القبيلة وعجز عنه بعض (المثقفين الردَّاحين) أن القبائل العربية في شمال الجزيرة العربية لا تقرأ نفسها خارج دائرة العروبة (للتذكير فكلمة عروبة هي الاسم القديم عند العرب قبل الإسلام ليوم الجمعة) أقول لا تقرأ نفسها خارج دائرة العروبة الممتدة من أقصى اليمن جنوبًا إلى حدود كردستان العراق وسورية شمالًا ولمن يجهل ذلك فعليه العودة لذاكرة الإنترنت ليجد التواصل والتقدير بين مشايخ شمر وعلى رأسهم الشيخ حميدي دهام في زيارته لمشايخ صنعاء في اليمن عام 1999، وعليه فحكاية (الشتم النسقي) خطيرة ويجب الوقوف ضدها، ومنها التعميم الذي نراه من البعض ونسمعه عن (الفلسطينيين) الذين ليس لهم (مهما شاتَمَنَا بعضهم) إلا نحن بعد الله، في عزة وقوة دولتنا كآخر (سند حقيقي) يستندون عليه بالتنسيق مع الدول العربية التي تمارس (السياسة الواقعية) لتحقيق أقصى الممكن في سبيل (الحق الفلسطيني) وليس الوعود والأماني من قبل (رافعي قميص عثمان/فلسطين) التي قادت الفلسطينيين كما يقال (من جرف إلى دحديرة) طيلة عقود تشارف على القرن.

ما الذي نريده من هذا المقال؟ باختصار شديد أن نتوقف عن صناعة (أنساق شتيمة) تضرنا ولا تنفعنا، (لكنها فقط قد تنفع البعض بزيادة متابعيهم من الغوغاء في وسائل التواصل)، مع أني أفترض في المواطن السعودي (والخليجي) عمومًا الذي ينعم بالرفاه والأمن والاستقرار أن يتسع (حلمه وحكمته) لكل العرب من دول الجوار الذين فقدوا (رفاههم وأمنهم واستقرارهم) ولا يملكون في هذه الظروف الصعبة رفاهية (الحلم والحكمة) التي تملكها دول الخليج، مع الإشارة إلى أن دول الخليج لا تملك الرفاه والاستقرار بسبب (البترول) بل بسبب حكمة قيادتها السياسية، ففنزويلا وغيرها من البلدان عندهم بترول يفوق بعض دول الخليج لكن تلك البلدان النفطية تعاني الأزمات الاقتصادية والفقر بسبب (الفساد) المستشري فيها، والفساد له أشكال فظيعة مختلفة، منها الظاهر للناس وهو (الاقتصادي) ومنه الباطن وهو أخطر وأشد وأقصد به (الفساد الأيديولوجي) كما هو واضح بشكل فج في إيران رغم مهارتها في (كتم أنفاسها على فقر أبنائها) ثم الغوص في المشاكل لعلها تصطاد مدينة عربية هنا أو هناك.

ختامًا لن نكون كبعض أبناء القبيلة الأوروبية البلهاء أو القبيلة الأمريكية الحمقاء فنزيل كتب تولستوي من مكتبتنا لأنه روسي بسبب حرب أوكرانيا، فنحن أبناء ثقافة تقرأ قبل أكثر من ألف عام (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون)، ولو أن الجهد المنصرف لخلق (أنساق عدوانية) داخل العالم العربي لتفتيت المفتت، اتجهت لصناعة (أنساق ألفة ومحبة وتسامح) وتفهم شعبي لمصالح كل دولة لكان أجدى وأنفع، فاستيعاب أولويات المواطن اللبناني الوجدانية الذي عاش أكثر من مرة تدمير عاصمته (بيروت) مع محاولة احتلالها من قبل إسرائيل ستختلف عن أولويات أي مواطن خليجي مشغول بإلحاق ابنه في بعثة حكومية إلى أمريكا أو أوروبا، واستيعاب أولويات الفلسطيني الذي يعاني الضغط النفسي والاقتصادي في المخيمات خارج فلسطين، أو داخل فلسطين في دخول المعابر والخروج منها تختلف عن أولويات بعض الخليجيين الذين يعانون من ضغوط الدولة عليهم بسبب ممارستهم (التستر التجاري)!!؟!.

باختصار لن أزيل السِفر الضخم لجواد علي عن (تاريخ العرب قبل الإسلام) ولا مؤلفات عالم الاجتماع الكبير علي الوردي من مكتبتي، ولن أتوقف عن سماع قصائد الجواهري، لأن هناك عراقيا مفلوت اللسان يشتم نفسه إن لم يجد ما يشتمه، ولن أتوقف عن شراء الكتب من دور النشر في دمشق أو بيروت لأن هناك لبنانيًا أو سوريًا يعاني فصامًا في الشخصية فتراه يشتم البلد المجاور الذي يعمل فيه أخوه أو ابنه ليرسلوا له ما يسدد به فاتورة جواله مع الإنترنت؟!!

وأخيرًا هل هناك أكثر من (حرب اليمن) هل بعد الحرب من موقف أشد، لكنها حرب بحزم وحكمة لم تخلط الأوراق خبط عشواء، ولهذا عزيزي المواطن تجد دولتك تستضيف ما يزيد عن اثنين مليون يمني، بطريقة ميسرة لا يحصل عليها كثير من مواطني الدول العربية الأخرى، فهل نحن بحجم دولتنا وعظمتها في الحكمة والحلم، أم مجرد صارخين بالفزعة الجاهلية لنصنع من (المجهولين) في كراهيتنا، أسماء معروفة ومشاهير يستثمرهم الحاسدون لنا من وراء ستار.