تتمتع السعودية بمكانة إقليمية ودولية متميزة ومرموقة، مكانة لم تأت من فراغ لمحتوى أو تعكس ضعفًا لمضمون، فمكانتها متجذرة أصيلة ومستحقة، لم تبن السعودية بعشوائية وارتجالية غوغائية، فهي وإن كانت تستند في بعض مرتكزات قوتها على مقومات جغرافية طبيعية وموروث ديني حباها الله إياها كجزء من إرثها التاريخي والوطني الذي حافظت عليه واستثمرت فيه، إلا إنها تأسست كدولة على منهج وطني متين توارثته الأجيال، تُحترم فيه القيم وتقدر فيه العادات العربية الأصيلة التي لا تناقض الدين أو تخالفه، تأسست الدولة على قاعدة دينية واجتماعية صلبة انتظمت فيها أمور الحياة وتميزت باحتوائها لشؤون الدين والدولة، لم يكن ذلك من الأمور البسيطة في عصر تطغى فيه النظريات والرؤى المتناقضة حول الأديان ودورها في تنظيم المجتمع وحفظ أمنه واستقراره في ضوء متطلباتنا الشرعية.

نموذج السعودية كدولة أصيلة في نموذجها المعاصر، يستحق أن يُدرس علميًا بل وأن تحاكى مسيرته الوطنية، لما يمكن أن تشهده الدول من تطورات وما تحققه من منجزات وتغييرات جذرية في مسارها التنموي عند احتواء مقدراتها ورسم سياساتها وتسخير إمكاناتها لما يعزز من ثقلها الاستراتيجي وقيمتها في الميزان الدولي بمختلف معاييره ومؤشراته المنظورة؛

إطلاق رؤية 2030 منذ بضع سنوات، كانت تتويجًا لجهود تنموية حثيثة بذلت على مدى عقود من التنمية والبناء، احتوت الرؤية في مستهدفاتها الوطنية وبرنامجها التنموي المدروس، مقومات التنمية وتطلعاتها الآنية والمستقبلية، والذي تضمن مقدراتنا البشرية والطبيعية ومكتسباتنا الاقتصادية وتطلعاتنا التقنية والرقمية المنافسة.

القفزة النوعية التي حققتها السعودية في جميع مؤشراتها التنموية والدولية، أبهرت العالم المتقدم قبل النامي، لأنهم يعلمون كم من الجهود والاتفاق والمتابعة والتخطيط الذي يتطلبه حجم تلك المنجزات وقوة ذلك التأثير، ما تشهده المملكة من مكانة دولية متميزة رائدة وما نعيشه من مكتسبات حضارية وسياسية واقتصادية غير مسبوقة، كانت مفاجأة عصرية لكل محلل سياسي متمرس ولكل خبير اقتصادي متابع، لما تشهده المملكة من نمو اقتصادي ملحوظ وما تسهم به من استثمارات داخلية وخارجية كجزء من مستهدفاتها التنموية المستدامة والتي رسخت دورها الفاعل في المجال الدولي.

الرؤية الشمولية والمسؤولية الإنسانية نحو جميع شعوب العالم باختلاف جنسياتهم وأديانهم، لا يستوعبها الكثير من قادة العالم المتقدم، لأن المصالح الذاتية لدولهم وتعزيز قوتهم ووجودهم في المناطق المختلفة يتصدر المشهد ولا يبرره عندهم إلا حجم المصالح والمكتسبات الحصرية لهم، دون اعتبار للحاجات الإنسانية ولمستحقات الدول الضعيفة بعيدًا عن المصالح الذاتية فلا تترجمها قيم دينية واجتماعية عندهم، تلك القيم التي تحكم علاقاتنا الدولية وتوجهنا نحو الاعتدال والعطاء والإيثار حتى في الظروف القاسية، لا يمكنهم استيعابها لكونها غائبة عن أجندتهم السياسية والاستراتيجية.

وتعد جائحة كورونا وغيرها من الكوارث الدولية، نموذجًا يجسد قوة تأثير المملكة واستشعارها لمعاناة الآخرين، ليس على المستوى الإقليمي والإسلامي وإنما على المستوى العالمي، لذلك نجد من يشكك في قيمنا الاجتماعية وسياساتنا التي قد تأخذ منحى إنسانيًا في كثير من توجهاتها دون حصرها في إطار المصالح المشتركة فقط.

من العجيب أن أمثال هؤلاء القادة الذين يمثلون رموزا دولية، ما زالوا يعيشون في غيبوبة أو تغابيًا عن حاضر ومكتسبات نعيشها وهم يلمسونها ويجدون تأثيرها الدولي ولكنهم يجادلون ويشككون في ذلك، في محاولة لزعزعة مكانة مستحقة مشهودة، ويلعب إعلامهم المترصد دورًا مهمًا في الترويج لادعاءات هم يريدون نشرها ويتعمدون بها استفزاز المسؤولين حول بيانات مغلوطة بينما يتسترون على فضائحهم وتعدياتهم الإنسانية على كثير من شعوب العالم ودوله.

اختيار المملكة لأن تكون مركزًا دوليًا وملتقى لمؤتمر تشارك فيه إحدى القوى العظمى مع القوى الإقليمية في المنطقة والتي تمثلها دول مجلس التعاون الخليجي إضافة إلى كل من مصر والأردن والعراق، لهو خير دليل على ما تتمتع به السعودية من مكانة دولية وثقل استراتيجي وعمق سياسي وقوة اقتصادية في محيطها الإقليمي والدولي، والذي أهلها لاستضافة قيادات الدول لمعالجة ما يواجه العالم من تحديات اقتصادية وسياسية وأمنية تهدد التنمية المستدامة وتعزز من فرص تحقيق الأمن الدولي.

ما أنجزته المملكة في السنوات الأخيرة على جميع الأصعدة الوطنية والدولية، حقق نقلة نوعية كبيرة في مسيرة المملكة التنموية وفي مستوى علاقاتها الخارجية والذي جعلها لاعبًا أساسيًا في الساحة الدولية، تأثير المملكة على المستوى الإقليمي في محيطها الخليجي والعربي والإسلامي، له أهمية كبرى في توحيد الصف وتحقيق الأمن والاستقرار في جميع المنطقة وليس في المملكة فقط، هناك مصالح مشتركة وتاريخ مشترك ومصير تتأثر به جميع الأطراف، التوجه نحو عمقنا العربي والإسلامي في تشكيل تكتل سياسي واقتصادي سيخدم جميع دول المنطقة، بتنسيق الجهود والتعاون والتشارك في الاستثمار في مقدراتنا يمكننا تحقيق أمننا الغذائي في جميع متطلباتنا، كما يمكننا تنشيط التجارة البينية بما يدعم اقتصادات ومتطلبات جميع دول المنطقة، وبذلك نعزز من قيمة المنطقة الاستراتيجية ونزيد من ثقلها الدولي.