قد يتضايق البعض من الصراحة في التعبير عن حال «الدين»، وأن «الرثاثة» قد دبت في أوصاله، وأقصد انحلال واضمحلال بعض أجزائه، وهذا يوجب إعادة الدين إلى النصاب الصحيح، ومساعدة الناس في تجاوز هذه الأزمة، ولن يكون هذا سهلا إلا بإحياء الدين في النفوس، وتجديد الجوانب المختلفة فيه. يخطئ من يتبادر إلى ذهنه أن المقصود بكلمة «التجديد» هنا، هو «التبديل»، فهذا أمر غير وارد؛ والمقصود هو إحياء وتنشيط أحكام الدين، والحث على العمل بها، وإزالة أي وهن أصاب الدين الذي أكمله رب العزة والجلال، وأوضحه لرسوله، صلوات ربي وسلامه عليه في زمنه الخالد والقوي، وإرجاعه إلى الحالة التي كانت عليه، والتي ينبغي أن تكون، وأن تظل عليه.

المجالات التجديدية فسيحة، ومن أهمها الدفاع المتزن عن الدين، وتخليصه من الضلالات المجمع عليها، وتمكين علمائه الحقيقيين، وصناعة من يؤمن بضرورة بذل الوسع في استثمار الدين لصالح إسعاد البشر، وليس من أجل التعسير عليهم في معيشتهم، مع التشبث القوي بالثوابت المنصوص عليها، في القرآن الكريم والسنة المطهرة، وإزالة أي غموض قد يتبادر إلى الأذهان، وعدم الشعور بالضيق من أي أمر يسبب تحريك الأفهام، أو حلحلة المفاهيم.

لقد أبدع السابقون، في كثير من الأمور الدينية والحياتية ولم يبتدعوا؛ وعلى هديهم ينبغي أن نسير وأن نضيف، وأن نخترع ونفهم أن حاجات الزمن والإكراهات التي تحف به تستوجب تقديم اجتهادات تناسب تحديات وإشكالات الحياة، مع اعتراف بالماضي، وعدم تنكر لمن سبق، إضافة إلى الاستعانة بغير المتخصصين الشرعيين، من المتعمقين في المعارف الأخرى، كالفلسفة وغيرها والاجتهاد الكامل في ضبط الشطح والشطط في التفكير، من خلال النظر في الغايات، والرغبة الحقيقية في إيجاد الحلول، وليس في زيادة تفاقم المشكلات لدى الناس؛ حتى غاب ذووا النباهة، الذين يمكن الاعتماد عليهم في علاج ضحالة التفكير، وانعدم المؤهلين في مواكبة مستجدات العصر، في المعاملات، وكذلك في العبادات.

اليوم، نحن في حاجة إلى تجديدات تنبع من التحديات، وفي حاجة لأن نوجد انسجامًا بين الناس وواقعهم، وأن ننتج لهم أحكامًا رزينة، تنقذهم من التخلف الذي أصاب بعضهم، في كثير من المسائل، وخصوصًا تلك المتعلقة بالسياسة الشرعية، أو بالأوضاع الاجتماعية، او بالعلاقات الدولية، أو بالقضايا الاقتصادية، أو بالفلسفة والعلوم الإنسانية، أو حتى بالاكتشافات العلمية، وكل ذلك لا بد أن يتم بواقعية وتأمل كبير، مع اقتراح بدائل مناسبة لما هو غير مناسب، وتقديم تصورات مقنعة ومنضبطة وسليمة.

أختم بأن الأمر الذي ينبغي ألا نختلف بخصوصه، هو أن تجديد الخطاب الإسلامي، ينبغي أن يكون على أسس عقلانية «مؤنسنة»، خاصة وأن الدين، خير ناظم للوعي الجمعي، وهذا يؤكد ضرورة انفتاح كل الأطياف الفكرية والفلسفية والعقدية على بعضها البعض، وأن يتم الترحيب السامي والرسمي بهم، وأن يسمح لهم بالتعبير الموزون عن الرأي، وأن يتم تعويد الناس على قبول الاختلاف، مع التوقف التام عن إلجاء الغير للتخندق المذهبي أو الفكري، خوفًا من القطيعة، التي يخشى المخلصون من أن تكون قطيعة سرمدية محفوفة بالغل المكتوم؛ وهذا كله من التجاوز الواجب حدوثه، وفورًا.