عن «77» عاما، رحل، الأربعاء الماضي، عن الدنيا، الداعية والعلَّامة السيد أبوبكر العدني بن علي المشهور، أحد أبرز علماء الجمهورية اليمنية الشقيقة، ومن القلة والنخبة التي جمعت في تعليمها بين التلقي عن الشيوخ عن طريق التعليم المسند، وبين التعليم المعاصر، فبعد حفظه القرآن العظيم على يد والده، ونيله نصيباً من العلوم في حلقاته وحلقات علماء مسقط رأسه «أحور» بمحافظة «أبين»، و«عدن»، و«حضرموت»؛ تخرج من قسم اللغة العربية، من جامعة «عدن»، وبعدها التحق بسلك التدريس، وقبل «8» أعوام، منحته ذات الجامعة شهادة الدكتوراه..

الشيخ المشهور، اضطرته ظروف «اليمن» للسفر، فقرر الانتقال إلى المملكة العربية السعودية، مطلع القرن الهجري، وفي «مكة المكرمة»، و«جدة» تلقى العلم عن جملة من العلماء، وفي مقدمتهم الإمام السيد عبدالقادر السقاف، كما عمل إماماً وخطيباً لبعض مساجد جدة، حتى عاد لوطنه بعد «12» عاما، ليتفرغ لخدمة الدعوة الإسلامية، ونشر الوعي الديني على «منهج الوسطية الشرعية والاعتدال الواعي»، وفي سبيل ذلك أنشأ عشرات المعاهد التربوية التعليمية تحت مسمى: «أربطة التربية الإسلامية»، والمراكز التعليمية والمهنية، ومراكز الدراسات والأبحاث، مقيما العديد من الندوات والحلقات العلمية، والمنتديات الثقافية، والدورات التعليمية، وظل مترددا على المملكة، طيلة «28» سنة، يؤكد في كل مرة على الدور الكبير لقيادتها في نشر العلم، والحفاظ على منهج الوسطية والاعتدال، ودعم العلماء وطلاب العلم، وتقوية الأواصر بين الشعوب..

تميز الفقيد الكبير بالعمق الفكري، وخلف للساحة الدعوية أطروحات مميزة، ومنها فقهه الخاص المسمى بـ«فقه التحولات»، الذي وضحه في مؤلفاته، وأضاف «سنة المواقف» و«سنة الدلالة» لعلم فقه الدعوة، ووضع فكرة تقسيم المسيرة الإنسانية إلى قسمين: «المدرسة الشرعية»، و«المدرسة الوضعية»، كما وضع فكرة «الثالوث الوبائي»، الذي يقابله «المثلث المدموج والمعادل الرابع»، ودعا لتصحيح الانحرافات الفكرية من خلال تصحيح المفاهيم، مثل: «العقل السليم في القلب السليم»، و«الغاية تقرر الوسيلة»، و«الإنسان قبل البنيان، والمعلم قبل المنهج، والتربية قبل التعليم»؛ وبطبيعة العلم والعلماء المعروفة، لم تنل بعض أطروحاته القبول، فقد كان منها ما يحتاج للاستيضاح، وهو ما كان يعجبه كثيرا..

خلف الراحل المشهور، أكثر من «117» إصدارا، في مختلف العلوم والفنون، كالفِكر، والتربية، وفقه الدعوة، والتاريخ، والتراجم والسِيَر، والفقه، نظما ونثرا، ومنها «الأسس والمنطلقات في تحليل غوامض سنة المواقف وفقه التحولات»، و«التليد والطارف»، و«إحياء لغة الإسلام العالمية»، و«إحياء منهجية النمط الأوسط»، و«دوائر الإعادة ومراتب الإفادة»، و«النبذة الصغرى في معرفة علامات الساعة الكبرى والوسطى والصغرى»، وأختم بأربعة مقتطفات شدتني، وجدتها في مؤلفاته: «الإسلام ديانة، والديانة ثوابت وأسس ومقومات، وبمقدار إعادة الشعوب علاقتها بالديانة والتدين يبدأ مشروع التحصين الإيجابي، ضد فيروسات الانحلال والابتذال في حياة النساء والرجال»، و«كن كما تريد في الكتل والجماعات والمذاهب، فلا علاج ولا حلول، ولكن القيمة الفعلية تبدأ بمقدار معرفتك لقيم الآخرين بقواسم الديانة المشتركة، وتوحيد الجهود نحو الهدف الغائي المشترك، وبهذا تبدأ الخطوة الأولى في المعالجة»، و«الدين سلاح الإيمان والأمان، من وجهة نظر الإسلام، أما من وجهة نظر أعدائه فهو أفيون الشعوب، ومن حيثما نبعت ينابيع المعرفة للرجل والمرأة، جاء الماء زلالا يحيي الموات، أو ملحا أجاجا يهلك الحرث والنسل والنبات»، و«من واجب العلماء والعقلاء من الحكام ومنفذي قرار العلم والديانة أن يقدروا للأمانة قدرها فيعملوا ما استطاعوا على إعادة لحمة العلاقات الإيمانية بين المذاهب والجماعات والأحزاب والفئات والطوائف والتيارات على أساس مفهوم القواسم المشتركة»؛ سائلا ربي أن يرفع درجاته، ويخلفه في عقبه، ويغفر لنا وله.