هذا الموضوع الحيوي، وأقصد «تطبيق الشريعة»، وأن الفتوى تتغير وتختلف بحسب تغير الأحوال المختلفة، تناوله كثير من العلماء، ويبدو هذا جليا عندما نتناول كثيرا من الأمور المستجدة، كالتلقيح الصناعي، أو الرحم المستعارة، أو المداولات التجارية المختلفة، أو الصعود للفضاء، الذي كان قديما من «الارتداد عن الدين»، كما عبر عنه الشيخ خليل بن إسحاق، أحد أشهر فقهاء المالكية، في «مختصره»، عند تناوله حقيقة الردة وأحكامها، عادا من الأمثلة على ذلك، من «ادَّعَى أَنَّهُ يَصْعَدُ لِلسَّمَاءِ»، وغير ذلك من القضايا المتعددة والمتنوعة، كقضايا الحدود والتعازير والعقوبات البدنية، ومسائل المواطنة، والقائمة لا تنتهي.
كل المسائل المستجدة، مما ذكرته، ومما لم أذكره، في حاجة لتمكن كامل من حسن النظر في القضايا، وأن تكون النظرة نظرة نقدية، تضع الأمور في حجمها الحقيقي، وفي إطارها الموضوعي، وفي سياق المصالح الممكنة، ومن دون تعطيل للأحكام، وهو ما يستوجب النظر للنصوص بطريقة شمولية، وعدم بتر النصوص عن الأسباب التي وردت من أجلها، وأن تعرض النصوص على اللغة العربية، وأن يتم الجمع بين ما يشم منه رائحة التعارض، ومراجعة سياقات النصوص، ومراعاة التطور الزماني، واستحضار البعد الزماني والمكاني، وغير ذلك مما يقوله المتخصصون من محددات ومفاهيم، أوردوها في كتبهم المختلفة..
واضح لكل ذي بصيرة، أن الدورة الزراعية، والاقتصاديات الطبيعية التي كان يعيشها العالم، حلت محلها دورات صناعية عجيبة، وتحولات وتغيرات كبيرة، تحتم علينا عدم الغفلة أو التغافل عنها؛ إذا ما أردنا أن نسهم في التعامل الإيجابي مع الواقع المحلي والعالمي، وألا نكون من المنكرين لمجرد الإنكار، أو المنهزمين عن تقبل الحياة، وما فيها من آمال لا يمكن أن يحسها إلا من كان مؤمنا بأن رياح التغيير لا يمكن توقيفها، والتقلبات لا يمكن توقعها، والواقع لا يمكن أن يكون بسيطا، كما قد يتوقعه الكثيرون، إلا من رحم ربي، ممن منحهم الإدراك العقلي، والحس التوقعي، من أمثال سيدنا حذيفة بن اليمان، رضي الله عنه، الذي قال في الحديث الصحيح: «كان الناس يسألون رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير شر؟ قال: نعم، فقلت: هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي، ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر، فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، فقلت: يا رسول الله، صفهم لنا، قال: نعم، قوم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، قلت: يا رسول الله، فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك»؛ ولقد تعلمنا أن الخير سيبقى إلى قيام الساعة، حتى مع وجود الشر النسبي، والشرط بذل الجهد في معالجة التداخلات والاشتباكات المعرفية، وفهم المقتضيات الحياتية، وأن نهتم بالتأصيل «المفهومي، كما نهتم بالتأصيل»النظري".