يطول العمر بالإنسان فيرى أبناءه الصغار وقد كبروا وانشغلوا بأعمالهم وعائلاتهم الجديدة، ويرى رحيل أصدقائه وربما شريك حياته، ويتقاعد من عمله وتضعف حواسه، ثم تتضاءل دائرته ويتركه كل شيء كان يملأ عليه الوقت ويشعره بأن له صوتا ووجودا. بل وتتسع الفجوة بينه وبين أسرته من أبناء وأحفاد حتى مع كونهم محبين وداعمين إلا أن لهم اهتمامات ومفاهيم ومعارك حياة لا يستوعبها ولا يتفاعل معها.

ولا شك أن الجهود المبذولة لرعاية المسنين في بلادنا كبيرة ومؤثرة، لكنها في رأيي يجب أن تتسع لتشمل ما هو أكثر من الإيواء والخدمات والقوانين. كما يجب تحسين النظرة التقليدية لدور رعاية المسنين والتي ارتبطت على الدوام بالعقوق أو العجز المادي أو الجسدي.

تحرص الأسر في مجتمعنا على رعاية الأب أو الأم رعاية غير مشروطة لكن ثمة أمورا معنوية وعاطفية لا تستطيع الأسرة توفيرها ولو حرصت، فيصبح المسن وحيدا وانطوائيا، ويؤثر هذا على صحته و نفسيته.

تشير الإحصائيات إلى ارتفاع متوسط عمر الإنسان نتيجة لتقدم الرعاية الصحية ومستوى الرفاهية، وعليه فالشخص الذي يبلغ الثمانين قد يعيش إلى أواخر التسعين. نتحدث إذا عن عقدين أو أكثر من العمر، وهو زمن كثير أن يقضيه أحدنا في التذكر وانتظار اليوم الأخير.

حان الوقت لتطوير دور رعاية المسنين بحيث تلحق بها نواد صحية ورياضية واجتماعية وصوالين ومكتبات ومقاه ومطاعم. وتنظم فيها فعاليات ترفيهية أو اجتماعية أو سياحية. لا بأس حتى إن كانت باشتراك رمزي للقادرين أو يشكل صندوق خاص لتمويلها.

في هذه النوادي يستطيع المسن أن يجد من يشاركه ذكرياته ومشاعره واهتماماته، بل وقد يفكر بالارتباط مجددا في حال كانت مناطق كالمقاهي مشتركة بين الرجال والسيدات وهذا هو المفترض.

في مجتمع كهذا سيجد الإنسان كل يوم قصة يحكيها أو مشكلة يحلها أو مشورة يقدمها. باختصار سيمضي سنواته الأخيرة دون أن يفقد شغفه بالحياة.

رأيت في أحد المنتجعات وفدا سياحيا من كبار السن الأوروبيين يصاحبه كادر من المشرفين والمتطوعين واستفسرت منهم عن النظام الذي يدعم هذه الفعالية، فأخبروني أن هناك صندوقا يمول من الاشتراكات أو الرواتب التقاعدية للمتوفين دون ورثة، ويمول هذا الصندوق بدوره رحلات سياحية لمجموعات المشتركين بواقع رحلة كل شهرين أو ثلاثة. لقد شهدت انعكاس هذه الرحلة عليهم طوال إقامتي واستفادتهم من المسابح وخدمات السبا والحفلات والنوادي الصحية، رأيتهم وكأنما أرواحهم تولد من جديد.

ختاما يمكننا قطعا الإفادة من التجارب العالمية وهي كثيرة، تتنوع بتطور حقوق الإنسان واستقرار الدول، وأتمنى على وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية تحديدا أن تضع هذا المقترح قيد الدراسة الجادة، وأن يتم العمل عليه كما لو أنه المصير الذي نتوجه جميعنا إليه عندما نترجل يوما من صهوات خيولنا، ونرغب في بعض الراحة بعد عناء رحلة الحياة الطويلة.