رافق التصوير الضوئي «الفوتوغرافي» حياتنا منذ اختراع الكاميرات والأفلام ومعامل إظهار الصور واحتلت مبيعاتها مراكز متقدمة في النشاط التجاري خلال العقود الماضية.

واشتهر مصورون بذكائهم في التقاط صور خلدت أسماءهم وكأن العبارة الشهيرة تعنيهم بأن التصوير (استئذان لحظة تقف ثانية لتدوم أبد الدهر).

وصنف الأديب والمفكر المصري عباس العقاد رحمه الله المصورين بعد حضوره معرضًا للصور في القاهرة إلى ثلاث فئات مصور يظهر نظره ويده في صوره، وآخر يظهر ذوقه وشعوره، وثالث تبرز في صوره روحه وعبقريته، وهذا هو المبدع الحقيقي.

وفي عصرنا الرقمي تغيرت قواعد التصوير وأصبح الذكاء الاصطناعي يضبط الضوء والمسافة واللقطة لكن أدوات الاستفهام الأربعة «لمن، أين، متى، كيف؟» تبقى مسؤولية المصور المحترف للإجابة عليها في جميع أعماله.

ومن عيوب التصوير الرقمي العدد الكبير للصور التي يتناقلها الناس عبر وسائل التواصل مما قلل الاهتمام والحرص على متابعتها أو الاحتفاظ بها.

يتساءل الكاتب المصري عزت القمحاوي في كتابه الأيك في المباهج والأحزان «ما أهمية صورة لن تجد من يتأملها في المستقبل؟!.. مجرد وجود الصورة لا يضمن إنقاذ الماضي لكن الولع بتخزين ذلك الماضي ينتهي إلى تبديد الحاضر بهشاشته غير المحتملة».

ومما يدعو للدهشة تحول التصوير في السنوات الأخيرة بالهواتف النقالة إلى فوضى وعدم احترام خصوصية الآخرين حتى وصل داخل المساجد في صلاة العيدين والمناسبات والولائم والحوادث الصادمة واستعراض مشاوير الفلس والفاشات ثقالتهم وعبطهم وجهلهم.

وإذا كنا نلمس حضارة الصور الإبداعية فهي لغة عالمية مشتركة يفهمها الجميع واحتلت مراكز متقدمة ضمن وسائل القوة الناعمة في التأثير وإعجاب الناس الذين يقرأون الصور ويتفرجون على المقالات.

ولا ضير أن نسأل ما الذي يمنعنا من استغلال هذه التقنية في اصطياد كنوز الجمال الطبيعي والتراثي والحضاري والفني والتاريخي والنقلة التنموية الهائلة التي تشهدها بلادنا السعودية العظمى في هذا العهد الزاهر؟ ولم يعُد خافيًا أن مراكز عالمية تستقبل وتشتري الصور النادرة والمؤثرة ومقاطع الصوت والصورة (اليوتيوب) للهواة والمحترفين إضافة إلى معارض ومسابقات محلية ودولية.

علينا أن نرفع من حالة الدعم والتشجيع للأبناء والبنات على التصوير الحضاري ووصُنع المحتوى المفيد الجديد والنادر بلحظاته التي لن تتكرر وليس سلفي سلبي أو مقاطع فيديو من داخل بيوتنا وموائدنا ورحلاتنا وخصوصية الحياة مما يجعلنا هدفًا لسهام قاتلة مصدرها عيون حاسدة والعياذ بالله. فلن يستقيم الظل والعود أعوج.