لا يختلف اثنان في أن المجتمع المحلي والمجتمع العالمي يشهد كل منهما تحولات عميقة، وتغييرات هامة، وتنوعات هائلة في مختلف المجالات، وهو ما يوجب ضرورة أن يفهم كل منا ذاته، والكون الذي هو فيه، وأن يربي نفسه بنفسه، ويحسن تربية من تحت عصمته ورعايته وعنايته، ويقودهم إلى التفاعل الإيجابي المجتمعي، لا سيما أن المجتمعات السلبية يعيش أفرادها على الدوام في توترات دائمة، وشعور مستمر بعدم الارتياح، وغير ذلك من أحقاد وشحناء، تنعكس لاحقا في صور إجرامية مختلفة، أدناها إقصاء الآخرين والتسلط عليهم، وصولا إلى مرحلة هوان حياة غيره عليه، وبينهما جمل مختلفة من التطرف والعنصرية والتمييز السلبي، وتشكيل اتجاهات معقدة، وتصورات لا تمت للحقيقة بصلة.

التربية التي أسلفت ذكرها، واقعها متشابك جدا، ومن أجل تحقيق مصالح النشء لا بد من إعداد إستراتيجيات شاملة، ووضع خطط فاعلة، تساهم في نشر الوعي بينهم، ودعمهم في الدخول في الحياة بعقل وحكمة، وتنمية وتقوية علاقاتهم بمن حولهم، والاهتمام بحاجاتهم، وإفساح المجال لهم للإبداع والابتكار، ورفع مستوى المنافسة بينهم، وجعلهم قادرين بأنفسهم على مواجهة الجهل والتخلف والتأرجح والتذبذب، وتحليتهم بالاتزان التام في كل تصرفاتهم، مع تعويدهم على ضبط الانفعالات النفسية المختلفة، وعدم التعصب غير المبرر، وعدم احتكار الآراء، وتعويدهم كذلك وبكل الطرق على الانفتاح الروحي، والوعي المعرفي، والتسامح الإيجابي.

التسامح، وتحديدا الإيجابي، يمكن أن يبنيه الداعون لحقيقته على قوة القدرة على قبول المغاير في التوجه والرأي، وعلى الإيمان بحقوق الآخرين في الوجود والمشاركة في كل مفاصل الحياة، دون وصايا أو اتهامات أو تشكيكات، مع مراعاة كاملة لكل الأطياف بمختلف ما تحمله من ألوان، سواء أكانت مناطقية أو فكرية، مع عدم الغفلة عن الهوية المجتمعية المشتركة اللازمة، وهي التي يتميز أصحابها بالحوار المشترك، والاستيعاب المتبادل، وهو الذي يمكن تسميته بالمواطنة المتساوية؛ وليس عيبا أن يتميز أحد عن أحد في الاعتقاد أو التفكير أو التوجهات، كما أنه أمر لا يستحق التفاخر، ولا يستحق الانزواء، بل هو أمر يقود الناس للحصول على امتيازات كثيرة، من أهمها السلم المجتمعي، والأمان النفسي العام، بدلا من إلجاء الناس في كل مرة إلى تبرير ما يحبونه ويعتقدون صوابه، بسبب كره بعضهم له، أو عدم فهمهم له، وهو ما يمكن إعادته إلى ضيق الأفق، ومحدودية النظرة، وليس من ورائه إلا توترات دائمة هنا وهناك.

المجتمعات بنوعيها المذكورين في صدر المقال عليها أن تخفف من الشعور بالدهشة والاستغراب من أفعال بعضهم البعض، وخصوصا تلك الأفعال المتعلقة بالمعتقدات والتوجهات والأفكار؛ فإن هذا لا يصدر عادة إلا من العاجزين عن التفهم، والذين لا يحسنون السؤال، أو الاستفسار، أو التماس الأعذار، والذين يعشقون التهويل للخلافات، وخوافي النيات، والذين يرفضون إيجاد الوقت للحوار، والذين لا يرغبون في التواصل، رغم أنه أقرب سبيل لمكافحة كل ما يمكن أن يؤثر في التعايش بين الناس، وبدونه سنزيد من تقسيماتهم، وإلى قسمين اثنين غالبا: «عدو» و «صديق»، وبالتالي يصبح الاحترام للآراء مستحيلا، وستكسل العقول عن التفكير، أكثر من أي وقت مضى.