أصبحت إشكالات استقدام العمالة المنزلية من إحدى المشكلات الاجتماعية المهمة التي يواجهها مجتمعنا الوطني في الحياة اليومية، بسبب ذلك الارتباط الوثيق بينها وبين طبيعة حياتنا الاجتماعية ونمط ظروفنا المعيشية في جميع ما تتضمنه من مكونات بشرية ومادية، ترتبط بنظام الحياة الاجتماعية وعدد أفراد الأسرة واختلاف ظروفها المعيشية، وتمتد لنظام المساكن ومساحاتها وعدد ساكنيها وما تتضمنه من ملحقات وخدمات تزيد من عبء إدارتها وتعقد عملية إمكانية تحمل مسؤوليتها دون الاستعانة بالعمالة المنزلية المناسبة نوعًا وأداءً وتقبلًا لظروفنا المعيشية، علاوة على انسجامها مع عاداتنا وتقاليدنا وديننا، فتصبح جزءًا أساسيًا من مكونات الأسرة السعودية أو الخليجية.

تزامنت مرحلة استقدام العمالة المنزلية -منذ عقود مضت- مع مرحلة الطفرة الاقتصادية والتنموية والتوسع العمراني والزيادة السكانية التي شهدتها المملكة منذ السبعينات من القرن العشرين، وتزايدت مع تحسن الأحوال الاقتصادية وانتشار التعليم وتوسع مستوياته ومجالاته، بل إن التوسع في تعليم المرأة وزيادة مشاركتها في سوق العمل قد أضافا مزيدًا من الاحتياجات والمتطلبات من العمالة المنزلية التي أصبح وجودها مطلبًا أساسيًا مع زيادة متطلبات الحياة اليومية والنمو الكبير الذي طرأ على حجم المساكن وتوابعها، علاوة على الزيادة السكانية والتغيير الاجتماعي الذي أنهى تقريبًا فكرة الأسرة الممتدة والتواجد في منزل العائلة الكبير، لينتشر مفهوم الأسرة النووية والذي أدى إلى الحاجة إلى كثرة المساكن وبالتالي استقلالية خدماتها.

منذ بضعة أيام تداولت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي -باهتمام بالغ- خبر إعادة فتح باب الاستقدام للعمالة الإندونيسية للبلاد، بعد أن انقطعت إمكانية استقدام الأفراد لها لسنوات خلت لظروف مختلفة تتعلق بأنظمة وسياسات تتعلق بالطرفين، وعليه أتيح الاستقدام فقط للشركات التجارية العاملة في استقدام العمالة فقط ومنها المنزلية، وأصبحت حصرًا لها دون إمكانية استقدامها للأفراد من مكاتب الاستقدام الموجودة، بينما يمكنهم استئجارها من تلك الشركات بمبالغ مرتفعة جدًا تتراوح بين 3-4 آلاف ريال كراتب شهري، والذي لا يحصله بعض المواطنين من أعمالهم، بل ويتجاوز مقدرة الكثير من الأسر السعودية، وذلك وفق ضمانات مالية وشروط تتحملها الشركة مقابل ارتفاع تلك الأسعار.

منذ أن أصبحت الشركات مسؤولة من ضمن أعمالها عن استقدام العمالة المنزلية، إلى جانب مكاتب الاستقدام التي ما زالت متاحة رغم ارتفاع أسعارها هي الأخرى، ولكن بمعدل أقل من الشركات، فإن العمالة الإندونيسية باعتبارها مطلوبة عند غالبية أفراد المجتمع أصبحت حكرًا على الشركات فقط دون مكاتب الاستقدام بسبب شروط الدولة المرسلة للعمالة، السؤال الذي يطرح نفسه؛ لماذا كان هناك ترويج إعلامي كبير لإعادة فتح الاستقدام من إندونيسيا وما تم فيه من اتفاقيات، رغم أنه كان متاحًا بنفس الصفة للشركات منذ فترة؟!

ولماذا لا تلتزم المكاتب بذات الشروط المتفق عليها لإتاحة الفرصة للاستقدام من إندونيسيا مقابل مبالغ مالية معقولة؟!

بل ولماذا هذه المبالغة في التكاليف غير المعقولة بما يفوق الدول الأخرى القريبة؟!

ولماذا نتقبل نحن ما تمليه إندونيسيا من شروط وقوانين ولا نلزمها بمثلها كتأمين مستحقات المستفيدين الضائعة؟! وهل نحن فقط من يحتاج العمالة الإندونيسية، أم هم ذاتهم كمجتمع وكدولة يتمنون عودتها لمردوها الاقتصادي والاجتماعي عليهم؟!

وهل لأننا نحرص على حفظ حقوق الآخرين واحترام القوانين الدولية فيما يتعلق بذلك وبغيره من الأمور، تهضم حقوقنا عندهم؟!

لا ننكر أن هناك تجاوزات تحصل ضد العمالة بأنواعها من البعض، ولكن كذلك هناك تجاوزات لا تقل عنها تحدث من العمالة ذاتها سواء ما يتعلق منها بالأمانة واحترام القيود والعادات الاجتماعية أو ما يتصل بالإخلال بالعقود التي قبلوا بها وتم توثيقها رسميًا بالعمل خلال مدة العقد التي لا تقل عن سنتين، لأن الهروب والتنقل بين الأسر المحتاجة لخدماتهن ساهم في زيادة معدل الهروب وزيادة وجود مخالفي أنظمة الإقامة والعمل، إضافة إلى ارتفاع تكاليف استقدامهن تعويضًا للجهة الُمستقدِمة عن تكاليف الهروب الذي يتحمله المستهلك سواء في تكاليفه المادية أو في تعطيل أعماله وحاجته المستمرة لتوفير البديل.

وجود قوانين وأنظمة صارمة تضبط حقوق العمالة من جهة والمستفيدين منها من الأسر وجهات الاستقدام من جهة أخرى، أصبح ضرورة ملحة، نعلم إن هناك من القوانين الضابطة موجودة ولكن السؤال هل يتم تنفيذها فعليًا، وهل يعوض المستفيد من الأسر المستقدمة عن خسارته في حال هروب العامل/ة ؟! وهل هناك تحديث في القوانين ذات الصلة؟! نأمل أن القادم أجمل من وزارة الموارد البشرية في مراجعة لوائحها بهذا الشأن وما يتعلق بإنشاء مواد في اللوائح تحفظ حقوق العمالة والمستفيدين منها على حد سواء.

زيادة عدد الشركات المستقدمة للعمالة إلى نحو 43 شركة سيساهم بإذن الله في تخفيض تكاليف استقدامهم وتأجيرهم، وذلك ما تؤكده المفاهيم الاقتصادية حول العرض والطلب، لأن وفرة المعروض للعمالة بزيادة عدد الشركات المتاحة سيساهم في تخفيض أسعار تأجيرها، وسيعمل على ضبط سوق العمالة المنزلية لصالح جميع الأطراف في إطار القوانين الضابطة والأنظمة المقيدة بهدف تصحيح كثير من الاختلالات التي تحصل حاليًا في ذلك الشأن.

ارتفاع أسعار الاستقدام خاصة للعمالة الإندونيسية والفلبينية المطلوبتين، ساهم إلى حد كبير في تخلف كثير من المعتمرين والزائرين منهم ومن جنسيات أخرى للعمل في المنازل بغية الاستفادة المادية وبأسعار تعد معقولة مقارنة بأسعار الشركات، وقد أدى ذلك إلى تساهل البعض في تشغيلهم هروبًا من تكاليف الاستقدام أو التأجير من الشركات، وذلك فيه إخلال كبير بأمن البلد وبالنظام الوطني المتبع وما يعلن عنه من غرامات، بل وفيه مخاطرة بأمن الأسرة ذاتها وبممتلكاتها وغيره من خصوصيات الأسر التي قد تدفعها ظروفها للالتجاء لتلك العمالة، خاصة مع ارتفاع أسعار حتى العاملات بالساعات من تلك الشركات المحتكرة لاستقدام العمالة.

لا ننكر أنه لدينا الكثير من العادات والنظام الاجتماعي الذي اعتدنا عليه لسنوات في نظام البناء الواسع والكبير المساحة، إضافة لطبيعة اجتماعاتنا الأسرية وغيرها وما تفرضه من متطلبات، ألزمنا بها أنفسنا في ظل وفرة الاستقدام السابق من العمالة المنزلية وبأسعار كانت مقبولة لغالب الأسر، وعليه أصبح من الضروري تصحيح واقعنا الاجتماعي ومحاولة الحد من تكاليف البناء وسعته ومتطلباته إضافة إلى ترشيد آلية اجتماعاتنا وتضييق متطلباتنا بما يناسب تغيرات العصر وتشعب احتياجاته المستمرة.