فجأةً انقطع عن الاتصال الخارجي المتعارف عليه في عالمنا المعاصر وهو ارتباط الفرد الإنسان في هذا العالم بما يحمله في يده وجيبه وهو جهاز الاتصال، وهو ما يعرف بالهاتف الذكي (الجوال)، فظن أن الشريحة التي بداخل الجهاز الذكي (الجوال) قد أصابها عطل فتوقفت عن الأداء، ثم ذهب إلى الشركة مصدرة الشريحة فغير شريحته، ثم تفاجأ أن هناك تحويلات بنكية قد تم تمريرها من خلال حسابه البنكي، وبنعمة من المولى عز وجل وتوفيق من خالق هذا الكون ومبدعه ومقدر الأقوات والأرزاق فقد ألهمه هذا الرحمن الرحيم أن يُخاطب البنك فأوقف حسابه وكل ما يتعلق به من بطاقات للصرف الآلي ومن دخول مباشر للمواقع البنكية، ثم ما لبث إلا وقد تغير رقمه الموصول بخدمة أبشر المتعلقة بكل الخدمات الحكومية وغير الحكومية دون أن يُغيره هو شخصيًا، فكانت المفاجأة الكبرى لدى هذا الإنسان البسيط، وقد دار حوار عنيف في داخله في كيفية تغيير رقمه في جهاز حكومي محكم الحماية، ثم اتصل هذا الإنسان المعتدى على خصوصيته وقد تمت سرقة حياته وشخصيته على الجهات الأمنية فأخبروه للتوجه إلى أقرب مركز شرطة كي يُبلغ عما جرى، فذهب هو وعائلته إلى مركز الشرطة فشرح لهم ما أُصيب به فأخبروه أن يتوجه إلى مركز الشرطة المختص وهو مركز مسؤول عن الحي الذي يقطنه!!،

ثم ذهب إلى مركز الشرطة المختص فشرح لهم ما وقع له وأن جواله لو تم الاتصال به الآن فإن نغمته تكون خارجية فلا بد من عمل شيء لإيقاف ذلك، وأنه لا بد من تتبع الرقم الموصول بأبشر الآن لأنه ليس خاصًا به، بيد أن المسؤول وجهه كي يُحضر العنوان الوطني مطبوعًا ثم يستخرج من البنك تقريرًا بالعمليات المشبوهة!!، فاعترض المجني عليه بأنه لا بد من عمل شيء الآن لأن هذه الجرائم تعتمد على السرعة، ومكافحتها تتطلب سرعة أكبر وإجراءات أشد كي تتم الحماية المطلوبة، بيد أن المسؤول لم يتخذ أي إجراء، ثم زاد الطين بلة أن توقفت شريحته الجديدة وهي الشريحة الثانية التي يُغيرها في نفس اليوم، ثم ذهب هذا الإنسان البسيط كي يُغير رقمه في أبشر من خلال الخدمات الذاتية فمر بعدة أجهزة خدمة لأبشر، بيد أنها كانت عطلانة لا تعمل!!

ثم وجد جهازًا فغير رقمه في خدمة أبشر، فبقي رقم الجوال الذي تم تعطيله أو بالأحرى شريحة رقم الجوال، فلم يجد فرعًا أو مكتبًا لشركة شريحة الجوال إلا في المطار الدولي، فلما ذهب لموظف شركة الجوال في المطار الدولي ليغير شريحته، كانت الصاعقة الحقيقية فقد أخبره موظف الشركة بأنه قد تم تغيير الشريحة في هذا اليوم لأكثر من سبع مرات، فأخبره هذا الإنسان البسيط أنه لم يطلب تغييرها إلا مرة في عصر هذا اليوم وهذه المرة الثانية، فأخبره موظف شركة الجوال بأن هناك من يُغيرها من خلال موقع شريحة شركة الجوال، ثم في صباح اليوم التالي نظر في جواله فإذا برسالة تأتيه من موقع أبشر بأنه قد تم تغيير الرقم الموصول بخدمة أبشر للمرة الثانية دون علمه، ودون أن يطلب تغيير رقمه، حيث إنه لم يقم بتغييره مرةً أخرى، ثم بدأت المعاناة الأخرى من خلال الاتصال بالرقم المباشر لموقع أبشر فظل ينتظر لمدة أكثر من خمس وثلاثين دقيقة، فلما أخبر الموظف المختص بما حدث له من أن رقمه الموصول بخدمة أبشر قد تغير مرتين دون أن يطلب أو يقوم هو بتغييره، جعله الموظف على الانتظار لمدة أكثر من ست دقائق، كي يسأل مرؤوسيه عن ماهية الإجراء الصحيح كي يتم وقف جريمة انتحال شخصية هذا الإنسان المواطن البسيط، الذي لا ناقة له ولا جمل في ذلك، ثم أخبره أن يعاود الاتصال بهم إذا تغير جواله للمرة الثالثة!!

فهذه الجرائم التي يتم تدبيرها لأبناء هذا الوطن هي حرب تُسمى حرب (fraud)، وهي حرب تتأسس على الخداع والمكر والغش والانتحال، من خلال مجرمين مهرة، تفوقوا على الآخرين بمهارات قد استعملوها في الإضرار بالبشر ،وجعل حياتهم بمليئة بالمآسي والحزن والقلق، فعند حكاية هذه الوقائع التي حدثت من خلال معايشة حقيقية لمن وقعت عليهم تلك الجرائم، نجد أن خللًا ملموسًا شاخصًا أمامنا، فهذا الإنسان البسيط لم يجد أمامه من يسير معه لإيقاف ما تعرض له من خداع وسرقة لشخصيته وكيانه.

فهذه الجريمة لا يمكن أن يتصدى لها المواطن الإنسان البسيط، حيث إنه لا يملك الإمكانيات والخبرات والتقنيات كي يقف أمام هؤلاء المجرمين المحترفين، بل إنه يتوجب توفير مكاتب تتمتع بخبرات وكفاءات، كي تعمل بالسرعة المطلوبة للاستجابة والتصدي لكل جريمة احتيال تقنية سواءً كانت جرائم مالية أم جرائم انتحال شخصية المواطن من خلال موقع أبشر أو من خلال مواقع البنوك التجارية أو من خلال البنك المركزي.

لا يُعقل أن يبقى المواطن تائهًا بين جهات كثيرة لا يدري أين يتوجه، وكل جهة تقذف به للجهة الأخرى، فهذه الجرائم حتمية الوقوع، والتصدي لها أصبح من ضروريات حياتنا المعاصرة، وإن إبقاء الوضع على ما هو عليه يتنافى مع كل ما ترمي إليه قيادتنا الحكيمة من السير بهذا المجتمع إلى رؤية متقدمة وواضحة، تطمح للخلاص والانعتاق من كل بيروقراطية مقيتة كبلت مجتمعنا عقودًا كثيرة، ولا يحق لأي مسؤول أن يتنصل من أي مواطن عند طلبه المساعدة، ولو كان هذا المواطن جاهلًا وغير متعلم، بل إن مبادئ المسؤولية الحقيقية تُحتم على كل مواطن أن يبذل ما في وسعه لتقديم العون لكل أحد، فضلًا عن أن يكون مواطنًا قد نشأ وترعرع في تربة هذا البلد.

وكذلك فإن المسؤولية في مد يد العون والمساعدة تكون مُضاعفة على كل جهات القطاع الخاص الذي يجني مليارات الدولارات بسبب هذا البلد الآمن المستقر، فيتوجب عليه أن يُلزم موظفيه بالتعامل الإنساني مع كل أحد وخصوصًا من هم في حاجته عند وقوع هذه الجرائم المعقدة تقنيًا وعلميًا، فلا يجوز أن يتنصل أي أحد من المسؤولية ورمي كل شاردة وواردة على عاتق هذا المواطن المسكين، ولدي ولدى كل متابع لأحوال المجتمع من الوقائع الحقيقية ما يقشعر له البدن ومن الجرائم ما تشيب له الولدان.

فحريٌ بكل مسؤول وموظف في القطاعين الخاص والعام، إذا ما آتاكم هذا المواطن الإنسان يستغيث بكم على من اعتدى عليه وارتكب جنايته في سلبه لشخصيته وكيانه، أن تُسارعوا بالوقوف معه، وتسهيل كل الإجراءات، لوقف سرعة هذه الجريمة المرتكبة بحقه وتخفيف أضرارها وتحجيم خسائرها.