دخل الفاروق، رضي الله عنه، بيت المقدس، وتسلم مفاتيحه، وأعطى المسيحيين الأمان والحرية في عبادتهم وشعائرهم الدينية، ثم حضر والي القدس واتفقا على صلح القدس، وكتب سيدنا عمر (العهدة العمرية)، التي سطرها التاريخ بحروف من نور، وأجمع عليها الصحابة، رضوان الله عليهم: «بسم الله الرحمن الرحيم؛ هذا ما أعطى عبدالله؛ عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من حيزها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرَهون على دينهم، ولا يُضَارّ أحدٌ منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود، لأنهم كانوا يعادونهم، وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن، وعليهم أن يخرِجُوا منها الروم، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهم وصُلُبَهم فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم وصلبهم حتى يبلغوا أمنهم، ومن أقام منهم فعليه مثل ما على أهل إيلياء، ومن شاء أن يسير مع الروم، سار مع الروم وهو آمن، ومن شاء أن يرجع إلى أهله، رجع إلى أهله، وهو آمن، وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية، شهد على ذلك خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبدالرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان، وكُتِبَ وحُضِرَ سنة خمس عشرة»، وبعد ذلك دعاه البطريرك لتفقد كنيسة القيامة، فلبّى دعوته، وأدركته الصلاة وهو فيها، فالتفت إلى البطريرك، وقال له: «أين أصلى؟»، فقال: «صلِّ مكانك»، فخشي أن يصلي فيها فيتخذها المسلمون من بعده مسجدا، فقال: «ما كان لعمر أن يصلي في كنيسة فيأتي المسلمون من بعدي، ويقولون هنا صلى عمر ويبنون عليه مسجدا»، وابتعد عنها رمية حجر وفرش عباءته وصلى..
ما قدمته من «تسامح»، أمر صعب للغاية، إذا أردنا أن نجعله شاملا لقضايا الجنس، والحريات الفردية الخاصة، وغير ذلك، فهذه أمور لو فتح لها الباب، ستخلق فجوات بين الناس، حتى لو أراد البعض دغدغة مشاعر الآخرين بها، وأختم بمقولة سمو سيدي ولي العهد الشهيرة، حفظه الله ورعاه: «كل دول العالم.. لديها عدد من القيم التي تتفق بشأنها، وعدد من القيم التي تختلف فيها.. ومحاولة فرض القيم بالقوة لها نتائج عكسية كبيرة».