هناك من ينتظر في طهران أن يسيل حبر قلمٍ ما، للإمضاء على ورقةٍ ما في موعدٍ ما. وآخر قضيته مراقبة عقرب الساعة، والبعض يضع يده على عمامته السوداء ليقذفها تعبيراً عن الفرح، وعلى رغم أن العالم مشغولٌ برغيف الخبز الذي أنتجته الحرب الروسية – الأوكرانية، وأزمة القطن الطارئة.

هناك من يرى أن الاتفاق النووي المرتقب مع إيران، أقرب ما يكون لإنعاش شخص غادر الحياة، وفي جهة مقابلة، يشبه إلى حدٍ كبير إحياء وحش كاسر وغادر.

الإشارات جميعها تعطي إيحاء بأن الرابح الأكبر هو نظام الولي الفقيه، الذي يرى الأرض ومن عليها خصماً له، وحينما يقال إيران، فالضرورة تدفع للنظر إلى أعمال التخريب، التي تشهدها المنطقة برمتها.

والتنازلات القادمة من الغرب، منحت إيران أكثر حرية للمناورة، وذلك له عدة أسباب، أولها: الهوان والتراخي الغربي والأمريكي على وجه التحديد، والثاني: الخضوع للحزبية، للحصول على أكبر قدر من المكاسب السياسية، التي يمكن أن يتم تجييرها لحقبة رئاسية معينة، على سبيل المثال، خرج باراك أوباما في مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، ووضع ذلك في خانة انتصار هذه الفترة الرئاسية، حتى دونالد ترامب شمله هذا المعيار، وهو الذي عاش لحظة النشوة بمقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني، بغارة بدون طيار استهدفت موكبه بعد أن بلغ مطار بغداد الدولي، والآن تريد الإدارة الأمريكية الحالية بزعامة جو بايدن، الحصول على إمضاء إيراني، دون التفكير بأي تنازل مقابل، المهم أن تدخل هذه الإدارة التاريخ، والثمن: لاشيء.

ربما يجهل السياسي الأمريكي أن خروج طهران بأي اتفاق نووي – بصرف النظر عن قيمته – هو بمثابة عامل تقوية للشريك الإستراتيجي الصيني، الذي دخل معها في اتفاقيات متوسطة وبعيدة المدى، تشمل الاقتصاد والسياسة والبنى الأساسية للجمهورية الإيرانية، فلا يمكن الحصول على ضمانات من النظام الإيراني، بالابتعاد عن حلفائه، كالصين، وروسيا أيضاً، التي لا يمكن إخراجها من خانة داعمي النظام الإيراني، حسب مصالحها، بالإضافة إلى أن أي اتفاق من شأنه منح قوى الشر التابعة لولاية الفقيه، من ميليشيات وعصابات شيعية منتشرة في المنطقة، مزيداً من القوة والرغبة في مواصلة نشر الإرهاب. وهذا يلفت الانتباه للتمعن في طريقة التفكير الأمريكي والغربي، من حيث النظر لكيان أثبتت الأحداث والتاريخ، أنه لا يتمتع بأبسط وأدنى معايير الدولة، وتحول إلى جوقة حاكمة تتصرف وتدير الأمور وفق مزاجية مذهبية فاشية، تقوم على التطرف وتوزيع أشكال وصور التخريب.

وآخر انخراط لهذه الدولة في الإرهاب، جاء على شكل محاولة اغتيال مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون الأسبوع ما قبل الماضي، ناهيك عن أن الدلائل لا تحصى على بلطجة الجمهورية، من اغتيالات وحرق سفارات ومقرات دبلوماسية، وتغذية أطراف معنية بنشر الإرهاب في المنطقة، كحزب الله في لبنان، والميليشيات الطائفية في العراق، والحوثي في اليمن، وحركة حماس في قطاع غزة.

يقول الاتحاد الأوروبي «لقد كان رد طهرن على صيغتنا معقول»، وتقول إيران «نريد اتفاقا نوويا دائما وتعهدا أمريكيا بعدم الانسحاب من الاتفاق مجدداً».

إذا ربطنا هذا الحديث بمطلب فك الحصار الاقتصادي، ورفع الحرس الثوري من قوائم الإرهاب العالمي، سنجد أنها تدخل المفاوضات مع الغرب وواشنطن من مصدر قوة، وهذا على المدى القريب والمتوسط ليس في مصلحة دول المنطقة، التي تعاني من التمادي الإيراني الرامي في نهاية المطاف إلى زعزعة هذا الجزء الهام، الذي يعتبر المصدر الأول في العالم لإنتاج الطاقة.

إن الذهنية السياسية الغربية والأمريكية، التي تسعى فقط للحصول على اتفاق مع دولة الشر، دون النظر في تبعات ذلك، من شأنها خلق أرضية خصبه لتمرد أي دولة تغرد خارج السرب العالمي، وسينعكس ذلك على اتساع رقعة الصراعات، وامتدادها عبر المدى الزمني والجغرافي؛ لا سيما وأنه – أعني الاتفاق – يفكك بين المعضلة النووية، وبين الممارسات الإيرانية، كتغذية الصراعات، ومد الجماعات المتطرفة بالسلاح والعتاد، وهذا يعني خطأ فادحا لا يغتفر وقع في فخه الغرب، ويمثل في الوقت ذاته مكسباً إستراتيجياً للنظام الإيراني، سيمنحه أكبر قدر من العربدة والبلطجة السياسية والطائفية.

وبالبحث عن مكاسب برغم كل ما سبق، تتحقق للغرب والولايات المتحدة الأمريكية، لا يمكن استشعار أي مكسب فيه خدمة للعالم، أكثر من إعطاء هذا الغول المتوحش، فسحة من الزمان لمواصلة التمرد.

تعتقد العواصم الغربية أنها وفق هذا المنظور، قد تدفع طهران لما يسمى بـ«الانخراط البناء». بمعنى أنه يمكن بهذا الأسلوب أن تتحول إيران لأن تصبح عاملاً نافعاً على المستوى العالمي، وهذا تصور خاطئ ينم إما عن جهل سياسي في تلك العواصم، أو لامبالاة بالإرث والتاريخ الإيراني، المليء بالإرهاب والتخريب والفاشية الدينية والمذهبية، والشواهد كثر ودماء ضحاياها لم تجف بعد.

كما يبدو فإن سيد الغابة ينشغل مع الشيطان في التفاصيل.

وهكذا.. لن يحصل على عنقود العنب.

وسيموت الناطور.

وبقدر ما تحدث عن الاحتراق..

وحده الذي سيحترق.