يبدأ العام الدراسي الجديد والتعليم يخطو خطوات كبيرة مستجدة نحو التغيير والتطوير في بنيته التحتية وفي نظامه الدراسي، وفي جزء من مقرراته الدراسية، ومنهجه المتبع على مستوى الأداء التعليمي والإدارة العامة للعملية التعليمية بجميع مكوناتها المادية والبشرية، مستهدفًا جودة التعليم والارتقاء بمخرجاته في جميع المستويات والمراحل التعليمية.

تغيير نظام الدراسة إلى ثلاثة فصول دراسية يتخللها العديد من الإجازات، كانت بداية التغيير الذي تم تطبيقه منذ نحو عام، بينما تنفيذ نظام مسارات التعليم المطروحة للتطبيق في المرحلة الثانوية، والتوجه نحو إلغاء السنة التحضيرية بناء على ذلك التحول في نظام الدراسة لمسارات، فإن العام الحالي يُعد بداية تطبيقه في مساراته المطروحة، في حين تم تطبيق السنة الأولى المشتركة للمرحلة الثانوية من العام الماضي في جميع المدارس الحكومية والأهلية وتحفيظ القرآن والمدارس السعودية في الخارج والمدارس الليلية ومدارس تعليم الكبار، بهدف تحسين مخرجات التعليم وفق رؤية المملكة 2030 وربط مخرجاته باحتياجات سوق العمل، وفق خطوات وآليات تم تنظيمها وإعدادها من قبل الوزارة.

تطوير البنى التحتية للمدارس وما يتعلق بالمباني، كان مفاجأة التعليم في محافظة جدة، فيما قدمته الوزارة من منجزات متطورة وفي زمن قياسي وبتكاليف أقل، من مبان متكاملة بمرفقاتها بديلًا للمدارس التي شملها هدم بعض الأحياء العشوائية في جدة؛ توفير مدارس بديلة في زمن غير مسبوق، يستحق الإشادة والتقدير بما تم تداوله في وسائل الإعلام لمنشآت مدرسية لم نعهد مثلها في المدارس الحكومية السابقة من جمال الإنشاء والتصميم والتأثيث، والذي انعكس على نفسيات الطلاب وملامحهم بالبهجة، بما يجدونه من مفارقة كبيرة وتغيير شاسع في مستوى الإنشاء وشكل البناء ومرفقاته في البيئة المدرسية التي تُعد جزءًا من نجاح العملية التعليمية وجودتها.

استطاعت وزارة التعليم توفير تلك المباني المدرسية بمعدل 35 مدرسة في 50 يومًا، ضمن خطة تضمنت إنشاء نحو 71 مدرسة؛ لتؤكد أن الوزارة بدأت فعليًا في تغيير نمطها السائد في هيكل ومستوى المنشآت المدرسية، وإن كانت محدودية الوقت قد لعبت دورًا في ذلك. ويشير كذلك لأهمية الاستفادة من تلك المنشآت الحديثة كنماذج قياس لمستوى جودتها وحسن تنظيمها ودرجة نجاحها في استيعاب الطلاب والمعلمين وجميع مرفقات المدرسة ومتطلباتها؛ لتقييم مدى نجاحها وصلاحيتها للتنفيذ الدائم في استبدال جميع المدارس المتهالكة وغير الصالحة للدراسة في مختلف المناطق والمدن والقرى التي تعاني منذ سنوات من تهالك مبانيها وعدم صلاحيتها للدراسة ولأداء العملية التعليمية بنجاح، علاوة على افتقادها لوسائل السلامة والترفيه والمرفقات الأساسية لراحة منسوبي المدارس.

مسارات التعليم التي تم تطبيقها في جميع المدارس، تحتاج لمزيد من التوضيح والشرح ليس فقط لأولياء الأمور وإنما كذلك للرأي العام، لأن بعض تفاصيلها يشوبها الغموض فيما ستواجه من تحديات، ويتضح ذلك من متابعة استفسارات أولياء الأمور حولها، كأن يوجد في بعض المدارس مسار عام فقط أو لا توجد فيها جميع المسارات بما قد يدفع بعض الطلاب للبحث عن مدرسة بديلة أو غير ذلك من التحديات التي قد تواجه الطلاب وأولياء أمورهم أثناء الانخراط في الدراسة، خاصة في المناطق المختلفة والمدارس الطرفية في موقعها.

لا شك أن تجربة الفصول الثلاثة ومسارات التعليم المنفذة، تعتبر تغييرًا عميقًا وجذريًا في نظام التعليم المعتاد ليس عندنا فقط وإنما على مستوى كثير من دول العالم، خاصة أنه نظام تم تعميمه على المدارس كافة، ليكون توجهًا مستحدثًا في نظام التعليم وسياسته المنفذة.

وعليه فإن التجربة تستحق الاختبار والمراقبة والمتابعة عن كثب، وعليها يكون التقييم والحوكمة للتجربة بشفافية عالية ونزاهة حكيمة، سواء من مسؤولي التعليم المعنيين بذلك دون انحياز، أو من قبل هيئة تقويم التعليم والتدريب كجهة رسمية مسؤولة عن تقييم مستوى جودة أداء ومخرجات العملية التعليمية النظامية، إضافة إلى إجراء استطلاع علمي يشمل الطلاب والأهالي لقياس مدى رضاهم وفائدتهم واستيعابهم لما تم استحداثه في نظام التعليم ومنهجه المتغير.

تجربة المباني المدرسية الجديدة في هيكلها المستحدث ونموذجها الجاذب وسرعة إنشائها مع انخفاض تكلفتها، هو الآخر جدير بالتقييم والحوكمة ليتم محاكاته وتعميم فكرته ليس فقط في المنشآت التعليمية، وإنما كذلك في برامج الإسكان المطروحة وما يقدمه بعض المطورين العقاريين من مشروعات مرتفعة التكاليف رغم انخفاض جودتها، لأن توفير مسكن لشريحة كبيرة من المواطنين وبتكلفة مقبولة لنسبة كبيرة من المجتمع ليس فقط من مستهدفات رؤية 2030، وإنما أصبح مطلبًا وأملًا يتمناه كثير من المستأجرين الذين أرهقتهم تكاليف الإيجار والتطلع نحو التملك.

صحيح أن انخفاض تكاليف تلك المنشآت وسرعة تنفيذها يرتبط بأسلوب إنشائها والمواد المستخدمة فيها والمرتبط بدوره بعدم متانة بنائها كالمباني المسلحة، ولكن في جميع الأحوال ستكون أفضل من المباني الشعبية، ومن المباني المسلحة المغشوشة في إنشائها والمرتفعة في تكاليفها، إضافة إلى أنها تكون خيارًا متاحًا في سوق برامج الإسكان المطروحة بأسعار ممكنة، والعبرة في حوكمتها وتقييم مستوى جودتها وصلاحيتها للاستخدام، وعمرها الزمني المقدر ليكون المستفيد مدركًا لنوع السلعة ولمستوى جودتها، وما يتعلق بذلك من متطلبات واحتياجات مرجعية لها.