يُقال إن الفعاليات الدعوية كانت سابقًا تقوم بمهام، مثل نشر الإسلام والدعوة إلى التبرع والعمل الخيري، ولكن اليوم في عصر الرقمنة الشاملة روجعت هذه المستهدفات وتم ضبطها من خلال تطبيقات إلكترونية رسمية. مما يطرح سؤالًا جوهريًا عن سبب بقاء الفعاليات الدعوية حتى الآن !!

ومع فهمنا لحسن النوايا لدى غالبية المنظمين والمنفذين لهذه الفعاليات، إلا أن النوايا الحسنة لا تؤدي بالضرورة لنتائج حسنة .

لقد حان الوقت إذاً لمراجعة كثير من هذه الفعاليات والوقوف بوعي على مخرجاتها .

تبدو هذه الفعاليات في أحسن أحوالها نسخة أخرى مما كان يسمى سابقًا بالمعسكرات الدعوية الصيفية، والتي كانت إحدى أهم أدوات التطرف في مجتمعنا .

تستهدف التجمعات الدعوية الشباب في العقد الثاني من العمر أو أكبر قليلًا، والمعروف أن لهذه المرحلة العمرية خصائص نمو صعبة جدًا.

في هذا العمر يسهل انقياد الإنسان لأي جماعة تغذي احتياجه الدائم للثقة والتقدير، كما تتضخم ذاته البطولية ويزداد حماسه لإصلاح العالم ، ويُلاحَظ عليه الميل لاعتزال أسرته وارتفاع وتيرة انتقاده لوالديه ومجتمعه.

تتلقف التجمعات الدعوية هذه الفئة تحديدًا، شخصيات لم تنضج تجربتها ولم تستقر مشاعرها، فتقدم لها معيارًا مقبولًا لمقايسة العالم وهو (الدين). ويتقبل الشاب هذه البرمجة من دون تمحيص، فهي فضلاً عن مرجعيتها الدينية تقدّم في قوالب تعزز لديه حالة الانتماء للجماعة، وتعظّم شعوره بأنه صاحب قضية أممية ولديه أعداء تاريخيين

من الأساليب الأساسية في بعض الفعاليات، استخدام أنماط الشحن العاطفي كالإنشاد الحزين واستحضار مشاعر الخوف والندم عبر قصص التائبين، والعمل على بناء عقدة ذنب مركزية يدور حولها الشاب فتزهده في الفرح والمكاسب المادية طلبًا للمغفرة والخلاص في الآخرة. هذا فضلًا عن خلع ألقاب القيادة والبطولة على الشاب وتكرارها على مسامعه حتى تترسخ في عقله الباطن، فيغلب على ظنه أنه شخصية قيادية وتنتظره مهام كبرى .

وأتساءل، ألا تشكل هذه انعطافة حادة للوراء نحن في غنى عنها اليوم؟ ثم هل تغيير شكل الفعالية أو منفذها أو انتقالها من مخيم إلى صالات فندقية أو مرافق اجتماعية، يغير من مضمونها الفكري ونتائجها؟

وهل يدرك الشاب في هذه المرحلة الفرق بين الدين كعلاقة روحية باعثة على السكينة والخير، وبين الإيديولوجيا كنظام فكري موجه يغطي كل جوانب حياته ولا يسمح له بأي مراجعات أو مناورات فكرية؟

خلاصة القول: أبناؤنا مسلمون ولدوا لأسر مسلمة، فلا يحتاجون للتعريف مجددًا بالإسلام، كما أنهم بشر يحق لهم أن يتعلموا من تجاربهم الخاطئة بعيدًا عن الوعظ والوصاية .

والحقيقة أن هذا الضخ الإيديولوجي يتعارض مع الأساليب التربوية الحديثة، كما يتعارض مع طبيعة المرحلة التي تشهد أفول المشاريع السياسية الإيديولوجية أمام انتعاش الدول الوطنية المؤثرة اقتصاديًا. وبلادنا اليوم أحوج ما تكون لشباب طموح أخلاقي يحترم القانون ويحب العلم ويتصالح مع مجتمعه، ويعي ضروريات الحياة .