دخل فضاء السوشيال ميديا على تفاصيل حياتنا اليومية، حتى أصبح جزءًا مهمًّا منها، كذلك تغلغل إلى أعماق الأسر الاجتماعية، وصار من مستلزمات الحياة الأساسية، لكنه أثّر على سلوكياتهم الحياتية، خاصة الأطفال والفئة العمرية المراهقة.

_ يا ترى ما أسباب ذلك؟ وكيف نحدّ منها ونقلّل الإفراط في استخدامها؟

_ كيف أثّرت على حياتنا إيجابا وسلبا؟

_ متى تُؤتي ثمارها، ومتى تحرِمنا منَ الفائدة منها ؟

لا شكّّ أنّ وجود عالم التكنولوجيا لم يعد يشعرنا بالوحدة أو الملل، ولكن جعلنا نفقد أهمّ السّمات الإنسانية والبشرية.

فنحن مسجونون في عالم السوشيال ميديا، وَمَثلُنا كَمَثَلِ البَحّار الذي يُجذّفُ بقاربِهِ في محيطٍ لا يعرف نهايته..

نعم، غاب التواصل الجسدي بين البشر، ولوحظت في الفترةِ الأخيرة حالات نفسية كثيرة عند الكثير من الناس وهي:

_ضَعفُ تطور الأفراد اجتماعيا ومهنيا بسبب عدم قدرتهم على التفاعل الإيجابي والطبيعي، مع جوانب الحياة المختلفة. مع العلم أنّ هذا العالم الافتراضي له إيجابيات لا تعدّ ولا تُحصى، فهو لم يختصرِ الوقتَ والمسافات فقط، إنما ساعدنا على

تبادلِ الخُبُراتِ والاهتماماتِ فيما بيننا، علَّمَنا كيفية التجارة والإعلانات والترويج، جَعَلنا نعبّر عن آرائنا بشكل أسرع، هذا عدا حملات التوعية والإرشاد، التي تشير إليها الكثير من الجمعيات النشِطة، والملتقيات الاجتماعية على هذه المنصّات، وقدِ استطاع الكثيرون الاستعانة بأهدافها وطروحاتها.

ولا ننكر فُرَص العمل التي ساعدَتنا على تحقيق الربح وترويج المُنتجات لنا ولكثير من المؤسسات والشركات، عالجَت جزءًا من مُشكلات البطالة للشباب والشّابّات، فكانت الوظائف المتعددة التي يطمح للوصول إليها غالبية الفئات المتعلّمة والمثقّفة.

لكن، على الرغم من كلّ ما ذكرناه وطال شرحه، فقد اتّضحَ لدينا _ نحن المثقفين والمرشدين _ أنّ هناك سلبيات لا يُستهان بها قلّلَت بشكل لافت وخطير

عملية الاتصال المباشر بين أفراد المجتمع، مما يمنع شرائح عمرية صاعدة من اكتساب مهارات التواصل المُباشر. كما غاب تواصل المشاعر بين الأفراد، واقتصر الاتصال على استخدام رموزٍ وصورٍ للتعبير، ورسائل صوتية، حتى مناسبات الأعياد صارت على شاشة صغيرة لا تتعدى السنتميترات، لقد اختُصرَت تقاليدنا وروابطنا الروحية بشاشة، ممّا ساعد ذلك على التفكك داخل المجتمع الواحد.

فضلًا عن هذا، فقد انتشر الخُمُولُ والكسلُ بين الناس، فلم نعُد نرى الزيارات العائلية، والمقابلات والنُّزُهات إلا والحديث عنها عبر الشّاشات دون حركة....صورٌ غابت عنها مشاهد الحياة الحلوة،..لم نعد نرى بين أفراد الأسرة الواحدة إلا انشغال كلّ فرد بهاتفِهِ المحمول يتحدّث مع القريب والغريب، وينسجمُ في عالمه الافتراضي، مما يعزُلُهُ عن أسرته وأخوته وإخوانه، وبالتالي فهذا يُحدِثُ ضعفًا في العلاقات داخل الأسرة. فالأم لم تعُد تفهم عقول أطفالها ورغباتهم وتطلّعاتهم، لم يعُد الأب يكتشف مواهب أولادِه الكامنة في ذواتهم.

ومع فقدان التّواصل الجسدي بين البشر، وانتشار التّواصل الافتراضي، أدّى إلى تدخُّل البعض في حياة الآخرين، والبحث عن عيوبهم واقتحام حياتهم الخاصة، فكثُرَت حالات الطلاق والخيانات الزوجية، وحالات التّنمّر لدى الأطفال بسبب إدمانهم على الألعاب الألكترونية، مما أثّر على حياتهم النفسيّة، وجرائم كثيرة أدّت الى نهاية حياة أشخاص وقعوا ضحية هكر أو نَصبٍ أو تهديد وتهويل.

ناهيك عن المساوئ الصّحّيّة التي انتشرت بين الناس بسبب الاستخدام المُبَالَغ فيه للسوشيال ميديا، وغياب التواصل البشري الحضوري، مما أدّى إلى اضطرابات النوم وزيادة القلق والتّوتّر، كما سبّب للشباب كثرة النسيان والضّعف في الذاكرة، وفقدان التركيز والإدراك الجيد للأمور الحياتية، كما ساعد على انعدام تحمُّل المسؤولية وانتشار العبَثيّة والإهمال والفوضى، فمَالَ الكثيرون الى الانعزال عن الناس والوحدة والانطواء، ممّا أثّر على إنتاجية الطلاب في تحصيل دروسهم، والتّراجع في التقويمات الفصلية والشهرية،

وسبّب أيضا تشتُّت الانتباه بين العمل والدراسة، والعالم البديل الذي يتابعه على هذه التطبيقات.

وفي ظل الغياب الجسدي المباشر، انخفضت الثقة بالذات، فلم نعد نفهم الآخرين كيف يفكرون، وصرنا نقارن حياتنا بحياتهم، ونحاول تقليدهم في طعامهم وحركاتهم ومشربهم، كذلك قَلّ اللفظ الكلامي والحوارات في الجوار والمحيط، ولم ينتبه الإنسان أنّ الإسلام دعانا إلى التواصل، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: {يأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [سورة الحجرات: 14]

كيف نعيش في أرقى العصور _ عصر العلم والتقدم والتكنولوجيا والتحولات الرقمية والانفجارات المعرفية، يعني نعيش في نِعَمٍ كثيرة يستغلها الانسان إذا أحسن صُنعها، لكن للأسف فقد غابت القيم الإنسانية والأخلاقية عند شريحة من المجتمع، تحتاج الى توجيه ونُصحٍ ومتابعة، ولابُدّ من ندوات وحاضرات توعية للتخفيف من هذه المشكلة.