يساهم النقل في الربط بين أطراف المدن وداخلها، وبينها وبين المناطق المختلفة القريبة والبعيدة داخل الدولة ومع الدول المجاورة، ويلعب النقل الداخلي البري خاصة دورًا رئيسًا في تحقيق مفهوم التنمية المتوازنة بين المناطق وبين المدن المختلفة، كما يسهم في تحقيق تنمية مستدامة تشمل كافة شرائح المجتمع المحلي، بما يتيحه من خدمات لجميع أفراد المجتمع وكياناته القائمة سواء كانت تمثل القطاع العام أو القطاع الخاص أو على مستوى الأفراد والعائلات.

يُعد النقل البري بوسائله المتعددة من الباصات والسيارات والترام وقطارات السكة الحديد لما فوق الأرض وما تحتها «الأندر جراوند»، من أهم وسائل النقل الرئيسة والسريعة بين المدن وداخل المدن الكبيرة، وهو من أهم وسائل النقل التي تخدم الحركة العامة وتيسر سبل الاتصال الاجتماعي بمختلف أغراضه وأهدافه، والذي يشمل في مضمونه كذلك الانتقال للأعمال بصفة يومية منتظمة؛ ولذلك استحوذ الاهتمام بتطوير النقل البري على سائر وسائل النقل الأخرى، عند جميع الدول المتقدمة والتي استشعرت أهميته المباشرة في تحقيق التنمية المتوازنة سواء بين مناطق الدولة الواحدة أو بينها وبين جيرانها.

تطوير شبكة السكك الحديدية وتوسيع مساراتها لتشمل ضمن خطوطها الممتدة، احتواء كافة القرى والمناطق الطرفية والمدن الصغيرة، يُسهم في توازن توزيع السكان بين المناطق والمدن المختلفة، ويساعد في تنمية تلك المدن والقرى الصغيرة، باستقرار أهلها فيها دون الحاجة للهجرة الداخلية نحو مراكز الأعمال الرئيسة في المدن الأكبر، بالاستفادة من تلك الشبكات المنتظمة والميسرة في الانتقال ما بين مواقعهم الأساسية ومسكن أسرتهم وذويهم، وبين مناطق أعمالهم، والذي ينعكس بدوره إيجابًا على التخفيف من حدة ازدحام المدن بالسكان، ويحد من ارتفاع أسعار العقارات المرتبط بمستوى العرض والطلب، ويقلل من ازدحام المرور والطرق بالسيارات، كما يخفف من الضغط على مختلف أنواع الخدمات المطلوبة في المدن، بجودة توزيعها ما بين المناطق والمدن والقرى الصغيرة والكبيرة.

تطوير وسائل النقل عبر السكك الحديدية يسهم في رفع القيمة الاقتصادية للريف والمدن الصغيرة، ويساعد على تحريك العجلة الاقتصادية بها، والذي ينعكس على تنمية اجتماعية واقتصادية شاملة وتوازن مطلوب في توزيع التركيب النوعي للسكان، والذي يرتبط الخلل فيه بارتفاع معدل هجرة الشباب إلى المدن، فيظهر عدم التوازن في نسبة النوع في القرى بارتفاع نسبة الإناث وكبار السن، بما يؤدي إلى خلل تنموي مؤكد كنتيجة طبيعية لذلك.

تعتبر الدول الأوربية نموذجًا ناجحًا لفاعلية تطوير شبكة السكك الحديدية داخل مدنها وما بينها البعض، إذ ساهمت الشبكة الممتدة والمتشعبة المسارات في تنمية جميع الدول التي تحتويها في خطوطها الداخلية والعابرة دون قيود رسمية أو تعقيد في الإجراءات المتبعة لمواطنيها، إذ إن تيسير سبل الاتصال والانتقال وسرعته وانتظامه واتساع دائرته، ساهم في تحقيق تنمية اجتماعية واقتصادية استفادت منها جميع الشعوب في تلك الدول، بسهولة اقتناص فرص العمل المتاحة على اختلاف نوعها ومتطلباتها ومكانها دون الحاجة إلى الانتقال والهجرة من أماكن إقامتهم الدائمة سواء كان لهجرة داخلية أو خارجية، ولم يكن ذلك لينجح بكفاءة لولا وجود وسائل نقل منظمة وسريعة ومنخفضة التكاليف، علاوة على وجود حزمة من القوانين والتشريعات التي تخدم العمل والتوظيف والانتقال ما بين تلك الدول.

نجاح تجربة سكة حديد المنطقة الشرقية/الرياض، وقطار الحرمين السريع، وما تشهده من إقبال ملحوظ، يؤكد أهمية توسيع شبكة السكك الحديدية لتشمل المناطق والمدن والقرى كافة، لربط جميع أطراف المملكة الشاسعة مع بعضها البعض، وبما يسهم في الحد من الهجرة إلى المدن الكبيرة ويساعد على إحياء المدن الصغيرة ويدفع نحو تعزيز خدماتها وتوفير متطلباتها السكنية المختلفة، كما أنه سيعالج الكثير من التحديات التي تواجه المدن الكبيرة في مختلف الخدمات القائمة من العقار إلى المرور والضغط على الخدمات العامة كالمياه والكهرباء والمراكز الصحية والتعليمية وغيرها.

تعزيز جودة الخدمات العامة وتكامل المرافق المتاحة وشموليتها في المدن الصغيرة والقرى لتلبية متطلبات السكان والتنمية، يتطلب وجود وفرة من السكان فيها، وذوو مؤهلات مختلفة لتشغيلها وللاستفادة منها في مختلف متطلباتهم وحاجاتهم اليومية، ويسهم النقل السريع المنظم والمنخفض التكاليف في تحسين عطاء وأداء جميع المرافق والدوائر الحكومية وخدمات القطاع الخاص بها، لضرورة اتصالهم وتعاونهم مع المراكز الأكبر والرئيسة في المدن المجاورة.