أكتب مقالي، من «المنطقة الشرقية»، وسط الاحتفالات الكبيرة هنا، بمناسبة اليوم الوطني المجيد، لمملكتنا الغالية؛ ومغتبط جدًا أن ساقني قدر ربي، لحضور مناسبة عائلية خاصة، على مشارف «كورنيش محافظة الخُبر»، وأشاهد الاحتفاءات المستحقة بالوطن المبارك، وأشهد جماليات تنوعات وتعددات «الشرقية»، وأسجل بعض ما ورد على خاطري منها، في هذا المقال..

والدنا، جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، رحمه الله رحمة واسعة، الذي نتذكره اليوم، بل وكل يوم، عندما أسس المملكة العربية السعودية، ووحد ترابها، وجمع مواطنيها، كان يذكر العالِم بأن دولته دولة تحتضن جملة من المذاهب الفقهية والمدارس الفكرية والثقافات المتنوعة، وأن هذه الاختلافات قوة للدولة، وسند لها في التنمية والأمن والاستقرار.

ولأني في «الشرقية»، كما ذكرت، فإني فخور بحضور «التشيع الاثني عشري» كمذهب سائد في مدن «محافظة القطيف»: «صفوى»، و«سيهات»، و«تاروت»، و«القديح»، وتعايش أصحاب المذهبين الشيعي والسني في «عنك» وما حولها، وفخور كذلك بـكون «محافظة الأحساء»، خير مثال على التنوع المذهبي والتعايش السلمي بين مكوناتنا السعودية المختلفة، من شيعة وسنة.

المملكة زاخرة بالتنوعات الفقهية والفكرية، ففي مناطقها الأخرى، إضافة لما ذكرته، هناك «التشيع الإسماعيلي» فقهًا، و«التصوف» ممارسةً، و«السلفية» فكرًا، و«أهل الحديث» و«الأشعرية» و«الماتريدية» عقيدةً، وهو ما يؤكد قوة التداخل بين السعوديين، وأن الحدود والحواجز الذهنية، ما هي إلا نتاج الخطاب المتشدد القديم، واستخدام الدين والتدين لتحقيق مآرب نفسية ومطامع أخرى، ونتاج القراءة النمطية للدين من قبل عشاق تعميم صورة أحادية على كل من حولهم، وهو ما أكدت رفضه «رؤية المملكة 2030»: «تمتاز الحياة في المملكة العربية السعودية بالتنوع الاجتماعي، الذي يشكل ثراءً ثقافيًا، أسهم في رسم هوية غنية لسكان المملكة»؛ لتعيد الاعتبار للتنوع، وتحافظ عليه، وتحميه ضد المندسين والمتشددين والمتطرفين، وهو ما أتى على ذكره عرَّاب رؤيتنا، وحفيد مؤسس مملكتنا، سيدي الأمير محمد بن سلمان بقوله: «لن نضيع بقية حياتنا في التعامل مع أي أفكار متطرفة؛ سوف ندمرهم اليوم وفورًا»..

إن يومنا الوطني المجيد، كان وما زال وسيظل الفرصة العظمى للمحافظة على إرثنا القديم، الذي أرساه جلالة المؤسس، رحمه الله رحمة واسعة، في مواقفه مع شعبه، ومن ذلك كلماته الشهيرة، عن «المنطقة الشرقية»، التي أوردها أمين الريحاني في صفحة 257 من كتابه (ملوك العرب): «هذا الحسا ـ الأحساء ـ عندنا هناك أكثر من 30 ألفًا من أهل الشيعة، وهم يعيشون آمنين لا يتعرض لهم أحد..».

هذا الإرث الإيجابي الكبير، الذي لا يريدُ له المتطرفون الاستمرار، وهيهات لهم ذلك؛ فـ«سعوديتنا» اليوم مزيج من خليط فقهي وفكري وعقدي، والسعوديون اليوم سنة وشيعة، هذا هو رأس مالنا في بلادنا، وهذه هي ثروتنا، وبحول الله في حفظ تام من الله تعالى، وفي عناية من ولي أمر البلاد، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله ورعاه، ومن ولي عهده من بعده، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، وفقه الله، ووفق له، ووفق به، وفي حمايتهما لمواطنيهم من «دعوات الكراهية»، و«مظاهر التمييز والعنصرية»، بأنواعها كافة.