ينشط سوق الاستشارات الأسرية هذه الأيام تحت مسميات مختلفة، فهذا مستشار نفسي وذاك مستشار أسري، وآخر مستشار زواج وغيرها.

هو سوق يزداد رواجا مع زيادة ضغوط الحياة، وتسارع أحداثها وتراكماتها التي تجعل الإنسان يضطرب ويتشتت ويضعف.

لقد تكاثر علينا المستشارون من كل حدب وصوب، بل ولوحظ اكتساب بعضهم مع الوقت سلوكا فوقيا يتلبسه، أثناء تقديم الاستشارة وكأنما تفتح على قلبه الفتوح السماوية!

الأدهى من ذلك انتقال فعل «الاستشارة» إلى مواقع إلكترونية، تقدم الاستشارة مكتوبة، وكأنها روشتة يصرفها الشخص فتزول مشكلته، هكذا بكل بساطة! و لن أتحدث هنا عن دخول الوعاظ والرقاة وحتى الفنانات على هذا الخط!

لا شك أن هذه الفوضى والعشوائية تفاقم مشكلات الناس ولا تحلها، فكل شخص منا هو تجربة حياة متفردة، ولديه شيفرة سيكولوجية خاصة به، فيكون بدهيا أن ما يلائم حالة لا يناسب حالة أخرى بالضرورة.

النصيحة التي أوجهها لطالب الاستشارة، تتلخص في أن لا تذهب لأي «مستشار» يقدم لك حلا أو يرسم لك خطة أو يعطيك رأيه الخاص، أو يقدم لك آراء معلبة أو وصفات أخلاقية أو دينية.

يقول سيجموند فرويد: إن الضغوط النفسية تجعل الإنسان كتلة من الصمت.

إذن فابحث عن المستشار المتخصص الذي يطرح عليك «الأسئلة» بحيادية، ويساعدك على كسر الصمت والاستماع لصوتك، وفحص رغباتك واكتشاف خياراتك، و يأخذك في رحلة إلى الزوايا البعيدة في ذاتك، فأنت في نهاية المطاف لا تلجأ للمستشار إلا لأنك واقع في حيرة، وما الحيرة إلا فقدان البوصلة إلى نفسك العميقة.

هذا مع أنني أدعو بشدة لتنظيم سوق الاستشارات الأسرية، واعتماد معايير عالية لإصدار رخص لمزاولة هذا العمل، إذ لا يكفي أن يحمل الشخص مؤهلا في الطب النفسي أو علم الاجتماع، ليكون مستشارا جيدا، فالتأهيل العلمي شيء وتوظيف المعرفة لمعالجة حياة الناس شيء آخر.

كما أن هناك قائمة من السلوكيات والمواثيق والحقوق التي يجب أن تراعى، عند تقديم خدمات الاستشارات، وهي للأسف غير مرعية حاليا في غالب الأحوال.

هذا بالإضافة لأهمية تقنين رسوم الاستشارات، فقد أصبحنا نسمع عن ساعات استشارات بمبالغ غير منطقية، فيصير الأمر كأنما هو موت وخراب ديار.