يقام معرض الكتاب كل عام في بعض من مدن المملكة الرئيسة، كفاعلية ثقافية رئيسة نترقب حدوثها، ويتم الاستعداد لها مع مجموعة من الفعاليات المصاحبة من ندوات فكرية ولقاءات أدبية وتظاهرات ثقافية متنوعة، تسهم جميعها في تعزيز المحتوى الثقافي للمجتمع، وتحريك المياه الراكدة لبعض المقتنيات الثقافية والكتب الدفينة والمستجدة في مهرجان إبداعي في جميع مكوناته المبتكرة في تقديمها وإخراجها ومحتواها لأوعية الفنون والثقافة والأدب والعلم.

معرض الكتاب ثري بفاعلياته الجاذبة لمختلف شرائح المجتمع، بتنوع ذائقتهم الأدبية واختلاف اهتماماتهم وميولهم وتباين مستوياتهم التعليمية والعمرية، فأهمية معرض الكتاب لا تنحصر في حجم مبيعاته من الكتب وغيرها من الوثائق والملفات الثقافية، ولا في نوع الكتب الواردة من كل حدب وصوب من دور النشر من بقاع الأرض ولا في أهمية محتواها فحسب؛ وإنما في إحيائها لتظاهرة ثقافية تحرك العقول وتجذب النفوس وتنشط الاهتمام المجتمعي بها، أهميته في ثراء محتواه ورقي أهدافه وعظيم فائدته في الترويج للثقافة النوعية بعمق تأثيرها وتنوع روادها بل وبتميزه عن غيره من الفعاليات الشائعة.

الاهتمام بمعرض الكتاب فيه ترويج للكتاب والقراءة واللغة، فيه توجيه نحو الحرص على اقتناء الكتب والاطلاع على مستجداتها، فيه فرصة لشراء كتب من مصادرها البعيدة، فيه تجمع كبير لمهرجان كتب يجد فيه الباحث ضالته والعالم حاجته والطالب مبتغاه، معرض الكتاب فيه تأكيد أهمية الإصدارات الورقية وأنها ما زالت مطلوبة وتجد مريديها في ظل هذا الاكتساح الضخم للإلكترونيات والعالم الرقمي بما يحمله من منشورات مختلفة تكاد تسيطر على المصادر الثقافية الرقمية.

ما نشهده في حجم الإقبال على الكتب يثلج الصدر ويشعرك بأن القراءة ما زالت تلقى اهتماما كبيرا بين مختلف الشرائح، ولا يقتصر ذلك على الجيل القديم، وإنما حتى من الشباب والأطفال الذين نشأوا في بيئة تدفعهم وتحفزهم للقراءة، شاهدوا أمامهم أما تقرأ وأبا يقرأ وأخا يقرأ، تربوا في عائلة تحترم القراءة وتعرف قيمتها الثقافية والعلمية والاجتماعية، اعتادوا على زيارة المكتبات وشراء الكتب سواء للدراسة أو للاطلاع والثقافة، أو للتزود والتعرف على منهجية وآلية بناء قدراتهم والارتقاء بميولهم وهواياتهم.

القراءة المتنوعة تُثري العقول وتبني القدرات وتُعزز الثقة بالنفس وتوسع المدارك وتعلم المفردات وتصقل التجارب بما تحتويه من علوم وفنون وأدب. الاهتمام بالقراءة لا يولد فجأة ولا يظهر بغتة أو تقليدا للغير، وإنما تبنى أسسه منذ النشأة الأولى سواء في البيت أو المدرسة، وجود مكتبة منزلية ورؤية الوالدين أو أحدهما يقرأ، يُربي حس القراءة وحبها عند النشأ، فيكون الدفع لها مقبولا ومحببا. اهتمام المدرسة بتعزيز القراءة وتطوير أساليب التحفيز لها ومناقشة ما يقرؤه كل طالب خارج المقررات الدراسية في الحصص الإضافية أو المقررات الحرة أو ما تسمى حصص النشاط، يبني لدى الطلاب ذلك الاتجاه الحميد وقد يكتشفون مواهب وإبداعات في دواخلهم لا يدركونها إلا بالقراءة والاطلاع المفيد خارج أطر المقررات الدراسية.

ما نشهده من مستوى متقدم في نوع وحجم التجهيزات الضخمة والفعاليات الثرية المصاحبة لمعرض الكتاب علاوة على ما يجده الزائر له من كتب قيمة ومراجع مطلوبة متوفرة في بقعة واحدة تجتمع فيها دور النشر من البلدان المختلفة، يجعلنا نتساءل: لماذا تخُتزل أيامه لنحو عشرة أيام فقط رغم حجم الاستعدادات وأهمية المحتوى؟! ولماذا لا يُستفاد من وجود دور النشر لمدة أطول، يتم التنسيق معهم مسبقاً بما يتوازن مع جهد وتكلفة تقل الكتب؟! ولماذا لا تستمر تلك الفعاليات الثقافية المصاحبة مع معرض الكتاب لمدة شهر؟! أليس في ذلك معالجة لازدحام الزوار وسهولة التجول في المعرض والتمكن من الاستفادة من فاعلياته ومحتواه؟ أليس في ذلك معالجة لازدحام المرور والمواصلات وصعوبتها؟ محدودية الأيام تحول دون زيارة كثير للمعرض لظروف مختلفة، سواء كانوا من داخل المدينة المقام فيها المعرض أم من خارجها، فلماذا لا تمتد فاعليته لنحو شهر على الأقل، حتي يستثمر مردوده وتكاليفه بمستوى أكثر فائدة وأوسع انتشاراً؟