الاستشارة هي أن تعرض موضوعك على أحد الحكماء ليعطيك رأيه وخبرته في ذلك الموضوع، والاستشارة من الشخص الذي تثق به وبرأيه الأمين ليست بعيب ولا منقصة، بل إنها لمساعدتك في اتخاذ القرار المناسب للموضوع الذي تريد إنجازه أو حله بأفضل طريقة ممكنة.

في كثير من الأحيان يكابر البعض في الاستشارة، ويعتقد أن ذلك دليل على ضعفه وغياب حكمته ويكابر، ويشعر بأن ذلك سينقص من شأنه وهذا غير صحيح، ولو كانت كذلك لما أمر الله نبينا، صلى الله عليه وسلم، بالاستشارة، بل إن الاستشارة أمر رباني ووصى ربنا -عز وجل- نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، بالاستشارة، إذ قال الله -عز وجل- لنبيه، صلى الله عليه وسلم، في كتابه العزيز: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)، آل عمران آية 159.

قيل في تفسير الآية «أمر الله -عز وجل- نبيه، صلى الله عليه وسلم، أن يشاور أصحابه في الأمور، وهو يأتيه وحي السماء، لأنه أطيب لأنفس القوم وأن القوم إذا شاور بعضهم بعضًا وأرادوا بذلك وجه الله، عزم لهم على أرشدِه، قيل إن المستشار ينبغي أن يكون صحيح العلم ذا أخلاق وأمينًا ومهذب الرأي، فليس كل عالم يعرف الرأي الصائب، وكم من نافذ في شيء ضعيف في غيره وقيل:

وما كل ذي نصح بمؤتيك نُصحهُ.. وما كل مؤت نصحه بلبيب

ولكن إذا ما استجمعا عند واحد.. فحق له من طاعة بنصيب

وذُكِرَ أن نوح بن مريم قاضي مرو، أراد أن يزوج ابنته فاستشار رجلاً، فقال له الرجل: سبحان الله، الناس يستفتونك وأنت تستفتيني قال: لابد أن تشير عليَّ، أجابه: إن كسرى ملك الفرس كان يختار المال، ورئيس الروم قيصر كان يختار الجمال، ورئيس العرب يختار الحسب، ومحمد، صلى الله عليه وسلم، كان يختار الدين، فانظر لنفسك بمن تقتدي.

من يستشير ويحسن الاختيار يحصل على خير عظيم، وتكون خطواته نحو النجاح بإذن الله، لذلك من واجبات المسؤول أن يحسن اختيار من يعينونه على القيام بشؤون الناس وخدمتهم، بما يُصلح أمرهم في معاشهم وحياتهم، وأن يتقي الله فيمن وكل الله له أمرهم في إدارة شؤونهم، فليتقي الله المسؤول في اختيار فريق عمله ومستشاريه، وأن يراعوا شؤون وظروف الناس والبسطاء لأنهم مؤتمنون كما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، «المستشار مؤتمن»، وقال أيضا، صلى الله عليه وسلم: «ما ندم من استشار ولا خاب من استخار».

وأنشد الشاعر قائلاً:

إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن.. برأي نصيح أو نصيحة حازم

ولا تجعل الشورى عليك غضاضة.. مكان الخوافي قوة للقوادم