القتلة المعتادون على القتل، لا تختلف لديهم أشكال وألوان الجثث، أو مكان وزمان الحدث. هم كالآلات مجردون من الضمير. حتى الوحوش قد يكون لديها إلى حد ما بعض من الإحساس، فهي تتألم عند الفراق والرحيل، وتفرح إذا تمكنت من الفريسة.

قد يكمن الاختلاف لدى أولئك في مؤشر الشهوة للدم وحصد أكبر قدر من الضحايا، والوقوع في فخ غير المألوف، مألوف لديهم. لا يخافون شيئا، أكثر من صوت يعلو لتسميتهم بأسمائهم، ووصفهم بالأوصاف التي تليق بهم ويستحقونها بكل جدارة.

ما سبق يختصر ما تشهده إيران، من حيث المجرمين والقتلة والقتلى. فما يحدث في تلك البقعة المغلقة غير طبيعي، تجسد بخروج عشرات آلاف المتظاهرين في وجه الحكومة الإيرانية المستبدة، احتجاجاً على مقتل الشابة مهسا أميني الشهر الفائت على يد ما يسمى «الشرطة الأخلاقية»؛ الحدث الذي تحاول الأجهزة الرسمية حرف بوصلته، وكأن شيئاً لم يكُن.

وما يدلل على ذلك، خروج المرشد علي خامنئي للتعليق على الحادثة، بعد مقتل الفتاة بنحو عشرة أيام، ليقول «إنها مريرة». والملفت في حديثه ذاك، أنه رمى الكرة في ملعب لم يُعرف، لتشتيت الصورة العامة في إيران، إذ لمح إلى أن المظاهرات كانت مزمعة، ولم ينظمها «إيرانيون عاديون»!

والسؤال البديهي؛ ما التصنيفات التي يضعها عراب النظام الإيراني وقائده الفعلي للشعب؟ وما العوامل التي يستند عليها في التمييز بين من هو عاد وغير ذلك؟ وما القيمة الحقيقية لديه للإنسان الإيراني بكل تفاصيله، مناهض أو مؤيد للحكومة؟

يبدو أن الحكومة الإيرانية تعاني من حرج عالمي، بدليل أن الرئيس إبراهيم رئيسي قد لحق بركب المرشد؛ لكن بصورة مختلفة، إذ حمل صورة الإرهابي المقبور قاسم سليماني بعد أربعة أيام من الحادثة، وهو يتحدث على منبر الأمم المتحدة، واصفاً إياه ببطل الحرب ضد الإرهاب، ومدمر «داعش»، الذي قدم حياته في سبيل حرية الشعوب الإقليمية. والسؤال؛ حرية من، وعلى حساب من؟ وماذا عن الشعب الإيراني، إذا كانت طهران تحرص على كرامة الشعوب الأخرى؟ من البديهي أن يكون مواطنها يتمتع بأعلى سقف في الحرية. هذا الأمر الطبيعي.

يتضح أن ذلك عبارة عن ذر للرماد في العيون، ومحاولة لصرف النظر عن القضية التي شغلت العالم، في دولة يعاني شعبها الأمرين، نظير حرق مقدراته وأمواله وتوظيفها في مقامرات حروب وقتال، لا ناقة له ولا جمل فيها.

أتصور أنه مهما حاول النظام أن يظهر بالتماسك، إلا أنه هش يعاني من ارتباك وتخبط، لا سيما أمام الضغط العالمي، وأبرزه التضامن النسائي العالمي، الذي اتخذ «قص الشعر» شعاراً له، في تعبير عن الاحتجاج أو الغضب. وهذا التصرف، هو عرف عالمي بات تعبيراً نسائياً بحتاً، عن الاستياء من تعرض بني جلدتهن لأي شكل من أشكال الاضطهاد. وتقول بعض الدراسات إن ذلك ينم عن اضطراب يسمى «هوس شد خصل الشعر».

المهم أنه حتى إن أخذ مقتل الشابة الإيرانية- وهذا واقع بما لا يدع للشك مجالا- منحى سياسياً بعيداً، بموجب أغراض سياسية وعلى رأسها الملف النووي الإيراني، إلا أن منظمات حقوقية وجدت فيه وجبة دسمة تعمل عليه، وهذا بالمناسبة، حق من حقوقها، أو بمعنى من صلب عملها، فقد أكدت منظمة حقوق الإنسان «هيومن رايتس ووتش»، أن الشرطة الإيرانية تستخدم القوة المفرطة «المميتة»، في 13 مدينة، لتفريق المتظاهرين، بينما لقي أكثر من 90 شخصا مصرعه برصاص الشرطة الحي. وتشير المنظمة العالمية وغيرها من الجهات الحقوقية الدولية، إلى أن الاحتجاجات والمظاهرات لم تهدأ في سعادت آباد في العاصمة طهران، وبندر عباس الساحلية، وكرمنشاه غرب البلاد.

على الصعيد الشخصي لم أكُن متفاجئاً من قتل الشابة أميني، ولم أتعاطف كثيراً مع القصة؛ وهذا ليس بوحشية، بل لي في ذلك مبررات تستحق النظر إليها. الأول: أن ذلك غير مستغرب أن يحدث في دولة فاشية، لكل من يفهم سياسة وسلوك النظام الإيراني الإرهابي. ثانياً: وهذا يجدر أن يكون الأهم، وهو أن نظام ولاية الفقيه يداه ملطختان بدماء مئات آلاف العرب، من سورية إلى العراق واليمن ولبنان؛ وأجد أنها تستحق بقدر كبير، استنكار وحشية الدولة بناء على أساسها، لا سيدة قتلت على يد أحد مواطنيها، في كيان يعرف عنه التطرف، ويملك ماضيا كبيرا في القتل، على حسب الهوية والإثنية العرقية والمذهب.

أعتقد أن طهران تعيش أعلى حالات الخوف، بسبب عدة عوامل؛ أبرزها أن الإنسان الإيراني تمكن من القفز على حاجز الخوف، وهذا ربما له مسببات أحدثت تراكمات على مر السنين الماضية. يلي ذلك الإيمان بأن قمع الاحتجاجات والتظاهرات التي تمس حياة البشر من عدمها، يسهم في صناعة مزيد من الرموز، التي قد تؤخذ كمثال يُحتذى به من عامة الشعب. وآخر تلك العوامل التي تسبب صداعاً مزمناً لنظام ولاية الفقيه، تتمحور حول كشف كذبة أن الحرية والحياة الكريمة ليست من حق الإنسان، وأنها مفهوم صنعته «الإمبريالية الغربية» يجب الابتعاد عنه، والنظر للسماء التي تمطر بفضل المرشد.

في إيران..كُسر التابو الديني. وأزيحت قاعدة أن رجال الدين، حقيقة خالدة كالموت..

لذا أصيب خامنئي بهستيريا، وهو يحتضر، لمجرد سماعه.. بدلاً عن أمريكا وإسرائيل، الموت للديكتاتور.

كعبوة ناسفة. هزت عرشه.