حين التقيت بأخي عبدالله بن سعيد أبو ملحه لأول مرة في لجان التنشيط السياحي حين كنت ضمن لجنة التنشيط السياحي بالطائف وأبو عبدالعزيز في لجنة تنشيط عسير التي كانت تنطلق منها كل الأفكار الملهمة والمبادرات غير المسبوقة، لم أكن أعلم وقتها أننا سنلتقي بعد ذلك بشكل يومي وقريب في مؤسسة عسير للصحاة والنشر، كان في ذلك اللقاء يحدثني عن الطائف وانطباعاته عندما جاء لأول مرة لأداء اختبار له أظنه الثانوية العامة.

يصف الناس أشخاصاً بالنبل ولكنهم يختلفون قليلاً أو كثيرا في تعريف النبل، وفي بناء الوصف على المواقف التي تقاطعت بينهم، ولكن عندما نتحدث عن عبدالله أبو ملحه فإنك أينما أردت التعريف أو بينت الصفة على المواقف تجد أن النبل لم يك يصلح إلا له، ولم يك يصلح إلا لها، وتقترن بالنبل صفة أخرى هي الوفاء، ولذلك قال له الأمير خالد الفيصل على الملأ في حفل تكريمه بأبها بعد استقالته من مؤسسة عسير «لقد وفى جدك لجدي، ووالدك لوالدي، وأنت لي».

أبو عبدالعزيز أتعب نفسه وأتعب من عمل معه لأنه كان لا يرضى بأقل من الجودة وهذه صفة الأشخاص الذين يطلق عليهم النمط: أو Type A، ولذلك كان يتابع الأمور بنفسه ويتفقد كل كبيرة وصغيرة ولا يغفل عن التفاصيل، كنا في أثناء بناء مبنى الصحيفة الرئيسي بأبها نذهب دائماً إلى المشروع منذ وضع أساسه بوصفه المدير العام وأنا أتولى الإشراف على تنسيق الأعمال بين الإدارة والتحرير، والمهندس علي شار الشهري المقاول المتفاني بإخلاص لكي ينجز المشروع، وكان أبو عبدالعزيز يصعد فوق البراميل بنفسه ليتأكد من بعض التفاصيل ولا يكتفي بمساعديه، لكنه عندما يصدر توجيهاته أو حتى وهو في حالة الغضب تراه بشوشاً سمحاً، وكأن ملامحه تشي للشخص المقابل له أن وراء هذا الغضب حلماً ووراء تقطيب الجبين سماحة.

في كل مكان عمل فيه أبو عبدالعزيز قصة نجاح، ووراء كل قصة نجاح قصص من العقبات والإحباطات، ودروس من الحكمة وبعد النظر.

زرته مرة في بيته بالرياض وتحدث طويلا عن القصص المختفية خلف إنشاء مصنع أسمنت الجنوب وصحيفة الوطن والغرفة التجارية الصناعية والمصنع الذي أنشأه ضمن عمله الخاص وحوله فيما علمت قبل وفاته إلى عمل خيري، وطلبت منه توثيق كل هذه القصص وبعضها غريب عجيب لا يعلمه كثير من الناس، واتفقت معه على جلسات تصوير لتسجيل كل ذلك فهو لا يحكي عن عبدالله أبو ملحه وإنما يحكي قصة تاريخٍ تنموي عاصره وانغمس فيه، وهو جزء من تاريخ المنطقة وأحداثها بمنجزاتها وصعوباتها ومتاعبها، وسافر إليه الزميل سلطان الحارثي بكاميراته ومعداته وصور معه جزءاً يسيراً، ولم يكمل لأن أبا عبدالعزيز كان مرتبطاً بارتباطات فأرجأ ذلك لوقت آخر، ثم أصبح المرض ضيفاً ثقيلاً يفقد الشخص شهيته على الكلام، ورحل قبل أن نوثق كل ذلك ولعل أبناءه الكرام يعلمون بما تختزنه ذاكرته ويسجلونه.

ومما لا يعلمه الكثير أنه عندما كان عضوا في مجلس إدارة الخطوط السعودية وكان كثير السفر بحكم أعماله، يجمع كل الملاحظات ويرسلها إلى مدير عام الخطوط، وما هو فوق اختصاصاته كان يقدمها للأمير سلطان بن عبدالعزيز رحمه الله فيوجه بحلها، وخاصة فيما يتعلق بالرحلات المتعلقة بالجنوب وليس بعسير فقط.

رحم الله أبا عبدالعزيز وأحسن عزاءنا جميعا فيه.