لا شك أن وفاة أخي عبدالله بن سعيد أبوملحه -رحمه الله- كانت فاجعة كبيرة على كل أفراد الأسرة كما هي كذلك على كل من عرفه من قريب أو بعيد. فالفقيد الغالي على الجميع يتصف بصفات حميدة كثر، قل أن تتوافق في شخص واحد بعينه. ولمعرفتي الحتمية بالجد عبدالوهاب -رحمه الله- فإنني كلما استدعيت خصال الجد وجدت أن تلك الخصال والصفات الحميدة هي ما كنت أشاهده وأخبره في فقيدنا عليه رحمة الله وغفرانه، وعليه فسوف أبدأ بتعريف مختصر عن الجد عبدالوهاب عليه رحمة الله والناس أجمعين.

عاش جدي لأبي الشيخ عبدالوهاب بن محمد أبوملحه، رحمه الله، فترة تأسيس المملكة العربية السعودية على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، طيب الله ثراه، وشهد وشارك فترة توحيد المملكة التي امتدت لأكثر من ثلاثة عقود. وكان رحمه الله مشهودا له برجاحة العقل وسداد الرأي ومجبولا على حب الخير، إضافة إلى تفانيه في تنمية الإنسان والمكان، ولأجل ذلك حظي رحمه الله بثقة واحترام كافة مجتمعه الذي يقدره ويبادله المحبة والاعتبار.

خلال ملحمة التوحيد اختار الملك المؤسس رحمه الله، بما يملك من دهاء وحنكة وفراسة، الكثير من رجالات مناطق المملكة المختلفة ليكونوا عونا وسندا له على إتمام ملحمة التوحيد مع العلم أن بعضًا من هؤلاء الرجال، لم يلتق بهم المؤسس إلا بعد إكمال تأسيس المملكة عام 1351هـ.

كان الجد عبدالوهاب أحد هؤلاء الرجال، حيث حظي رحمه الله بثقة الملك عبدالعزيز المطلقة، وكانت برقيات الملك المؤسس الإدارية غالبا ترسل إلى المنطقة باسمي أمير المنطقة وعبدالوهاب، حتى يكون عبدالوهاب دائما على علم ودراية بما يحدث من أمور إدارية، بل إن الجد عبدالوهاب كانت له شفرة سرية خاصة به يتم بواسطتها تبادل البرقيات الإدارية والأمنية بين المؤسس وعبدالوهاب، وكان رحمه الله حين يضطر إلى مغادرة قصره في أبها يحرص على تواجد ملف الشفرة مع مرافقيه إضافة إلى تواجد مسؤول في قصره لاستقبال البرقيات وإيصالها إليه على الفور.

نشأ وتربى فقيدنا الأخ عبدالله، الابن البكر، في كنف والدنا سعيد بن عبدالوهاب -رحمه الله- الذي كان ملازما للجد طيلة حياته حتى وفاته عام 1373هـ.

كان الفتى عبدالله يداوم على حضور مجالس ودواوين جده، وألف وأحب تلك المناسبات المتواترة، وكان يستمع بإصغاء إلى ما يروى من مناقب جده وقصصه في الحل والترحال، وكذلك في السلم والحرب، حتى ارتوى وتشبع بصفات ومناقب الجد الحميدة، غفر الله لهما وجمعنا بهم في جنات النعيم.

كان الفقيد أسبغ الله عليه الرحمة، واسع الإدراك، غزير المعرفة، يعيش عصره بكل ما يستجد من أمور سوية وكان كثير الترحال من أجل الإشراف المباشر على أعماله الخاصة والعامة، حيث إنه شغوف بإنجاز المبادرات التنموية لصالح المجتمع، وكان يتعب نفسه ويتعب من يعمل معه في إتمام هذه الأعمال الخيرة.

في إحدى رحلاته إلى ألمانيا بصحبة أصدقائه الألمان، زار الفقيد إحدى القرى النائية وذكر له أن القرية في حاجة لتحسين أماكن جلوس كبار السن في الحديقة العامة، ولكن البلدية لم تستطع تأمين ميزانية لها، فقام الفقيد بزيارة البلدية وأمن الميزانية المطلوبة.

في حالة مرضه أو صحته كان رحمه الله إما صابرًا وإما شكورًا، يتلقى المرض بنفس مطمئنة راضية لا يشوبها الهلع وفقدان اتخاذ القرار الصائب. حدث في أحد الأيام، قبل عشر سنوات، أن شعر الفقيد بألم مبرح وهو منشغل مع وفد كبير يضم شيوخ ووجهاء منطقة عسير الذين أتوا إلى الرياض للاجتماع بخادم الحرمين الشريفين، فما كان منه إلا أن اتصل بطبيبه المختص وشرح له الأعراض التي يشكو منها، كانت إجابة الطبيب أن عليه أن يتوجه فورا إلى المستشفى لخطورة الحالة، لكن الفقيد ذكر لطبيبه بنفس مطمئنة ودون هلع أو اضطراب أنه لا يستطيع مغادرة منزله إلا بعد إكرام الضيوف وتأمين مركبهم للقاء الملك، فما كان من الطبيب إلا أن طلب منه أخذ دواء معين وأعطاه مهلة ساعتين للوصول إلى المشفى. عند عمل الفحوصات اللازمة أخبره الطبيب أنه يحتاج إلى عملية جراحية كبيرة عاجلة، فكان رد الفقيد أنه مؤمن بقضاء الله وقدره وأنه مجهز نفسه المطمئنة للعملية.

هكذا كان فقيدنا ذا النفس المطمئنة الراضية، أسأل الله أن يغفر له وأن يتقبله قبولا حسنا، وأن يجمعنا به في جنات النعيم، والحمد لله رب العالمين.

* الدكتور محمد بن سعيد أبوملحه