في الماضي وبسبب عجزت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، لعب الفضاء المادي الملموس الدور الرئيسي في التحكم بجوانب الحياة كافة، مما كان يؤدي إلى انخفاض مستوى الكفاءة والدقة والشفافية، وحتى مطلع القرن العشرين، أصبحت تقنيات مثل أجهزة الحاسوب وأدوات المحاكاة والإنترنت والاتصالات اللاسلكية، والتي أدخلت شبكات الحاسب الآلي والاتصالات وأعطت الأنظمة المعلوماتية مساحة افتراضية موازية لمحاكاة الأصول المادية افتراضيًا، وأصبح مبدأ التعاون مع الأصول المادية افتراضيًا واقعًا ممكنًا وعن بعد.

وفي الوقت الحاضر، ومع تطورات التقنيات الفائقة وأنظمة المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات أصبح التكامل والتفاعل بين المساحات المادية والافتراضية، ذا أهمية متزايدة، والذي من شأنه أن يخلق إمكانات جديدة لتحسين أوضاع التشغيل والتقنيات الحالية في مجالات التصميم، والتصنيع والخدمات، وتتقارب بلدان العالم المتقدم حول هذا الاتجاه، حيث الثورة الصناعية الخامسة لاغتنام الفرصة التي يجلبها تكامل المساحات المادية والافتراضية لاسيما في الفضاء الرقمي، كلما ارتفع مستوى الرقمية الحالية، والتي كانت تتطلب تحويل المؤسسات والمنظمات التقليدية إلى رقمية بالكامل، من خلال التحول الرقمي في التصميم وتطبيق النماذج الرقمية، كلما ارتفع مدى قابليتها للانتقال للمستوى التالي، وهو ما يسمى بالقرين الرقمي، والذي يمثل مجموعة من المعرفة بالعمليات الحقيقية.

يهدف (DT) Digital Twin القرين الرقمي إلى إنشاء نماذج افتراضية عالية الدقة لكل ما هو مادي في كيان واحد، لمحاكاة حالاتهم وسلوكياتهم، مع قدرات على التقييم والتحسين والتنبؤ.

يواجه قطاع الصناعة -وعلى سبيل المثال- الحاجة الماسة إلى مواءمة نفسه مع المعلومات الجديدة في أنظمة المعلومات، وذلك للاستجابة للتحديات الجديدة والطلب المتغير في الأسواق العالمية، ويعد القرين الرقمي واحدًا من المفاتيح والعوامل التمكينية لثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات نحو التصنيع الذكي، بواسطة تمكين القرين الرقمي في عملياته كافة، والتي تتضمن تصنيع صورة «افتراضية» للواقع المادي، متزامنة باستمرار مع سيناريو التشغيل الحقيقي لتوفير المعلومات السليمة، أو ما يسمى بنموذج المعرفة والتحول إلى نموذج تفسير الواقع لرسم قرارات سليمة، والذي يهدف إلى تقديم صورة محدثة لمكونات القرين الرقمي الرئيسة ومميزاته في حل مشاكل التفاعل على سبيل المثال.

وتركز الأبحاث العلمية الحالية على القرين الرقمي، وفي مجالات التطبيق المختلفة، وما يتصل بها من التكنولوجيا والتقنيات اللازمة لها لتمكينها وتفعيلها.

إذ أن هناك حاجة إلى نظرة أكثر تفصيلا لتحديد أين ومتى ولماذا وكيف يتم تمكين القرين الرقمي في المجالات المتنوعة، ومن أهم وظائف القرين الرقمي على وجه التحديد هو تسريع تطوير المنتجات أو تحديد احتياجات العملاء والمستخدمين، أو أداء عمليات التحسين المستمر وخفض التكاليف والتشخيص عن بعد.

ففي الرعاية الصحية على سبيل المثال يتم استخدام النمذجة والمحاكاة لأنظمة الطوارئ والمستشفيات، وذلك لالتقاط وتصور نظام المستشفى لخلق بيئة آمنة واختبار تأثير التغييرات المحتملة في أداء النظام، كما يمكن استخدام القرين الرقمي للتنبؤ بنتائج إجراءات محددة، ويمكن أن يحدد أيضًا خيار العلاج الأفضل لمريض معين.

في مجال الرعاية الصحية أيضا، يمكن للقرين الرقمي أن يسجل بيانات المريض، جنبًا إلى جنب مع تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتقديم أفضل الحلول للمشاكل السريرية، ويمكن أيضا للقرين الرقمي دعم صناع القرار للتنبؤ بالمستقبل، في فشل المعدات لإبلاغ المشغل عندما تبدأ العيوب بالظهور، وإظهار علامات غير مثالية الأداء لتمكين تحسين تجربة المريض والمستخدمين على حد سواء.

وفي المدن الذكية والمدن بشكل عام والمناطق التي فيها كثافة سكانية عالية، وبنية تحتية كاملة، فإن القرين الرقمي يتجسد في إدارة المدينة، وتحسين البيئة الحضرية وجودة الحياة، ويمكن للقرين الرقمي محاكاة تحركات الأشخاص وعمليات الإجلاء في حالات الطوارئ، والنمذجة في المباني الذكية وحركة المرور على الطرق وجودة الهواء والبنية التحتية والاقتصاد، ففوائد القرين الرقمي لا تكمن في نطاق النمذجة والمحاكاة للصيانة الوقائية، بل رفع الكفاءة التشغيلية وتوفير التكاليف.

ويعد القرين الرقمي قادرًا على خفض التكاليف والمحافظة على كفاءة الإنفاق عن طريق تنشيط آليات الشفاء الذاتي في حالات الضرر، أو عن طريق التوصيات والمقترحات بتغييرات جذرية في النظام لتقليل الخطر.

ويقدم القرين الرقمي إمكانيات مثيرة للمحاكاة في الوقت الفعلي لدورة حياة المنتجات التي تقع تحت تأثير القرين الرقمي، كما يمكن تطوير القرين الرقمي ليساعد في الاندماج حتى في سلسلة التوريد والإمدادات بأكملها والمزيد مما قد يمكن للقرين الرقمي تنفيذه ما إذا كان مفعلا.

وفي المستقبل ستتطلب الأجيال القادمة من مركبات الفضاء ومهمات وبعثات الفضاء كتلا ذات وزن أخف للأجسام لاسيما في الأقمار الصناعية التي تقوم بإرسالها للفضاء، فبينما تتعرض لأحمال أعلى وظروف خدمة أكثر تعقيدًا ستحتاج الاستناد إلى القرين الرقمي في إدارة الأسطول والاستدامة إلى حد كبير إلى التوزيعات الإحصائية لخصائص المواد، وفلسفات التصميم الإرشادي، والاختبارات الفيزيائية، والمحاكاة الافتراضية بين الاختبار والظروف التشغيلية. ومن المرجح أن تكون غير قادرة على تلبية هذه المتطلبات اليوم، ولكنها ولمعالجة أوجه القصور ستتطلب تواجد القرين الرقمي للكثير من المنتجات والتحول من الاستعمال المادي الى الرقمي في النماذج الأساسية، لاسيما في النماذج التي قد يكون من المستحيل إعادة إنتاجها أو تدويرها في المختبرات.

وتتزايد الحاجة الماسة للنمذجة والمحاكاة وتمكين القرين الرقمي في العديد من الأنظمة لضمان استمرارية النمو واختبارات التجانس المتقدمة، والاعتماد على القرين الرقمي، يعطي فرصًا للتطوير المبكر والاستفادة من أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا من تقنيات، ووضع معايير للقدرات الحالية، وتحديد الثغرات باستخدام مميزات القرين الرقمي، وتأثيره لتعزيز أهدافها الواسعة النطاق.