يشير مصطلح «المشتغلون» في الدراسات السكانية وإحصاءات سوق العمل، إلى السكان المشتغلين فعليًا، أي الذين يمارسون أعمالهم فعليًا سواء في القطاع الخاص أو العام ويتقاضون أجورًا عن أعمالهم، بينما يشير مصطلح «المشاركة في سوق العمل» إلى المشتغلين + المتعطلين والباحثين عن عمل، وهم قادرون عليه ولكن لا يجدون الفرصة لهم، ولذلك فإن رصد أعداد أو نسبة «المشتغلين» يُعتبر من الأهمية بمكان في تحري ودراسة واقع التوطين ومستوى تنفيذه في سوق العمل بقطاعيه العام والخاص؛ لأن البيانات الإحصائية الرسمية الوطنية مستقاة من السجلات الإدارية الرسمية المدنية لتلك القطاعات، وبها يمكن الوقوف على مستوى التوطين أو التوظيف في جميع القطاعات المدنية من العام والخاص.

بالاطلاع على البيانات الإحصائية للربع الثاني من العام 2022 باعتبارها الأحدث نشرًا رسميًا، فإن البيانات تشير إلى أن هناك خللا واضحا في نسبة ونوع ما يشتغله المواطنون من وظائف، والتي تبرز في القطاع الخاص الذي يعتبر المستهدف في فرص التوظيف ومجالاته المتنوعة؛ إذ تشير البيانات إلى أن نسبة اشتغال المواطنين في القطاعين من العام والخاص هي 33.74 % في حين يستحوذ غير المواطنين على 66.25 % من فرص العمل المشغولة في السوق بصفة عامة، ويعكس القطاع الخاص الخلل الأكبر في انخفاض نسبة تشغيل المواطن والذي لا يتعدى نسبة شغله 23.06 % من جملة المشتغلين في سوق العمل «الخاص» والبالغ عددهم 9.078.910 ملايين -دون احتساب العمالة المنزلية-، بينما يستحوذ غير المواطن على 76.93 % من فرص العمل المتاحة في القطاع الخاص، وهؤلاء يمثلون نسبة المشتغلين فعليًا في القطاع الخاص.

وبمراجعة البيانات الإحصائية لآخر نشرة إحصائية لسوق العمل؛ يتبين أن غير المواطنين ما زالوا يستحوذون على معظم الوظائف في جميع الفئات العمرية المناسبة للعمل بالنسبة للمواطن، والتي تبدأ غالبًا من العمر 20 تقريبًا، وتزداد نسبتهم بعد التخرج من الدراسة سواء للمرحلة الثانوية أو ما بعدها من مخرجات الجامعات أو الكليات التقنية والمهنية والدبلومات وغيرها من المؤهلات المطلوبة في سوق العمل، والتي ما زال يشغل غير المواطن فيها النسبة الأكبر.

يتضاعف توظيف غير المواطن في مرحلة الشباب بشكل كبير وغير منطقي، وذلك من العمر 25-49 سنة، بما يبرز الخلل في هيكل مواردنا البشرية في سوق العمل، وذلك في إطار تطلعاتنا التنموية وعدد المتعطلين والباحثين عن عمل من المواطنين الذين يحملون مختلف المؤهلات سواء من مخرجات مؤسساتنا الوطنية أو من مخرجات الابتعاث، والتي يتميزون فيها عن كثير من المشتغلين غير المواطنين، الذين لا يستحوذون فقط على الوظائف القديمة وإنما حتى على كثير من المستحدث منها!!

في إحصاءات الربع الثاني من مسح سوق العمل يتبين أن نسبة المشتغلين المواطنين في العمر 25-49 لا تتجاوز 24.97 % من جملة المشتغلين في سوق العمل، في حين يشتغل غير المواطنين في نفس الفئة العمرية بنسبة 75.02 %.

متطلبات التنمية الوطنية وتطلعات رؤية 2030 نحو تحقيق التنمية المستدامة ورفع نسبة التوطين وزيادة التوظيف ومعالجة البطالة؛ يقتضي استثمارا مضاعفا لطاقة مواردنا البشرية والدفع نحو الاستفادة منها في تشغيل مقدراتنا المتنامية والتمكن من إدارتها وقيادتها والتدريب على المستجد منها، لبناء مزيد من الريادة والمنافسة العالمية بمختلف مواردنا المتاحة، وبذلك نعزز من مساهمة المواطن ومسؤوليته في تحقيق أهدافنا المنظورة وبلورة تطلعاتنا نحو تمكين المواطن وتحقيق تنمية اجتماعية مستدامة، في ضوء ما حققناه من مشروعات تنموية ومبادرات وبرامج أسهمت في تحقيق قفزة نوعية في مسيرة التنمية الوطنية.

لا شك أنه كان هناك انخفاض واضح كذلك في معدل البطالة ما بين السعوديين، للفترة ما بين الربع الأول من العام 2017، والعام 2022، حيث انطلاق برامج الرؤية وما صاحبها من تطوير وتحديث للبنية التحتية للمؤسسات والتشريعات والقوانين، وما تبعها من تنفيذ مشروعات وبرامج تنموية وإنشاء هيئات حكومية متخصصة، أسهمت بشكل كبير في تحسين بيئة سوق العمل وتنظيم أداء المؤسسات بقطاعاتها المختلفة، والعمل على ضبط مواردها ومقدراتها وحوكمتها، علاوة على تحفيز القطاع الخاص كشريك في التنمية ودفعه نحو المساهمة بمزيد من المشاركة في دعم التنمية الاجتماعية وتنويع القاعدة الاقتصادية وما يتطلبه ذلك من فرص عمل مضافة للسوق، تسهم في توفير وظائف مناسبة لمخرجاتنا الوطنية.

وعليه فقد انخفض معدل البطالة بين السعوديين من 12.7 % في الربع الأول من العام 2017، إلى 10.1 % لنفس الفترة من العام، في حين ارتفع معدل البطالة بين غير المواطنين من 0.7 % في العام 2017 إلى 2.2 % في العام 2022، لنفس الفترة المقارنة؛ وذلك لا يشير فقط إلى وجود وتوفر مزيد من فرص العمل التي اشتغل بها المواطنون، وإنما كذلك إلى وجود مزيد من المخرجات الوطنية المضافة لسوق العمل، والتي أظهرتها بيانات انخفاض تشغيل المواطن ما بين الربع الثاني من العام 2021 والعام 2022، مقارنة بغير المواطنين.

تعزيز عملية التوظيف والتوطين في سوق العمل، يحتاج لمتابعة دؤوبة ومراقبة لآليات وإجراءات عملية التوظيف في القطاع الخاص، وضبطها خلال أنظمة وقوانين تلزم صاحب المنشأة أو الشركات بزيادة معدل توظيف المواطن، وتخصيص وظائف قيادات الموارد البشرية للمواطنين وإخضاعها للحوكمة بصفة مستمرة عبر آليات متقدمة تكشف واقع التوظيف وأجوره.